ومضات من توحيد الصحابة.
موسوعة النابلسي
1 ـ مع كعب بن مالك:
سيدنا كعب حينما تخلف عن رسول الله في تبوك لم يكن له عذر، وقد قال: << أوتيت جدلاً >>، يعني أوتيت قوة إقناع،
فلما عاد النبي عليه الصلاة والسلام، وعكف راجعاً إلى المدينة قال: حضرني حزني، ماذا أقول له ؟ فلما وصل إلى المدينة استقبل المنافقين، واستمع إلى أعذارهم، وقبِلها، منهم ثمانون منافقا، فلما جاء دور سيدنا كعب قال في نفسه: << والله لقد أوتيت جدلاً، وإنني بجدلي أخرج من سخطه ـ أقدم له عذرا محبوكا ـ ولكنني خشيت أنني إذا خرجت من سخطه بجدلي ليوشكن الله أن يسخطه علي >>، علاقته مع من ؟ مع الله، بإمكانه أن يقنع رسول الله، ولكن رأى أن الأمر بيد الله، فلو أقنع النبي عليه الصلاة والسلام، ولم يكن الله راضيًا عنه ليوشكن الله أن يسخطه علي، قال: << فأجمعت أن أصدقه، فلما وصلت إليه قلت: والله يا رسول الله ما كنت في يوم أقوى ولا أنشط من يوم تخلفت عنك، لا عذر لي، فقال عليه الصلاة والسلام كلمة رائعة:
(( أمّا هذا فقدْ صَدَقَ ))
[ متفق عليه ]
استمع إلى ثمانين منافقاً، وكلهم قدموا أعذارا مقبولة، ووكَّلهم إلى إيمانهم، فلما تكلم هذا الصحابي الجليل الحقيقة بلا مواربة، وبلا كذب، قال عليه الصلاة والسلام:
(( أمّا هذا فقدْ صَدَقَ ))
أرأيت إلى هذه اللقطة، أوتي قوة إقناع بإمكانه أن يخرج من سخطه، لكنه أدرك أن الأمر بيد الله، فهو إن خرج من سخطه ليوشكن الله أن يسخطه عليه، قال: فأجمعت صدقه، هذه واحدة.
2 ـ مع امرأة أنصارية:
اللقطة الثانية أن النبي عليه الصلاة والسلام خطب امرأة فاعتذرت أن تكون زوجة له، فكأن الكلام لا يصدق، امرأة أتيح لها أن تكون السيدة الأولى في مجتمع المسلمين، زوجة خير الأنبياء والمرسلين، وتعتذر !!! طبعاً موقف غريب وعجيب، فسألها، قالت:
يا رسول الله، لي خمسة أولاد، أخاف إن قمت بحقهم أن أقصر في حقك، فالله لا يعذرني، وأخاف إن قمت بحقك أن أقصر بحقهن، هذا التوحيد،
هذا هو التوحيد.
3 ـ مع أمِّ المؤمنين عائشة:
حينما نزلت براءة السيدة عائشة من حديث الإفك، طبعاً تأخر الوحي أربعين يوماً، ولو كان الوحي شيئاً بملك النبي كما يتوهم أعداء الإسلام لقال آية بعد ساعة وبرّأها، الوحي كيان مستقل عن النبي عليه الصلاة والسلام، لا يملك جلبه ولا دفعه، فلما نزل في الوحي ببراءة هذه السيدة المصون رضي الله عنها قال أبوها الصديق: قومي إلى رسول الله فاشكريه، قالت: لا والله، لا أقوم إلا لله، على مسمع النبي عليه الصلاة والسلام، فتبسم عليه الصلاة والسلام وقال: عرفت الحق لأهله، هذا هو الصحيح،
أرأيت إلى التوحيد ؟
4 ـ مع أبي بكر صِدّيق هذه الأمة:
هل تصدق أن في حياة المسلمين الأولى إنسانين أحبا بعضيهما حباً يفوق حد الخيال كحب الصديق لرسول الله، ولما توفي النبي عليه الصلاة والسلام ماذا قال الصديق ؟ دقق:
(( أَمَّا بَعْدُ ؛ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بلا ألقاب، وهو قد ذاب قلبه ألماً ـ فَإِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ ))
[ متفق عليه عن عائشة]
أرأيت إلى التوحيد ؟
5 ـ مع سيف الله المسلول خالد:
سيدنا خالد وهو في أوج انتصاراته عزله عمر، وأرجعه جندياً، تصور إنسانًا لواء تسحب منه القيادة، ويبقى جندياً في الفرقة، ماذا يفعل ؟ يحدِث انقلابا، جاء إلى سيدنا عمر فقال له: << يا أمير المؤمنين، لمَ عزلتني ؟ قال: والله إني لأحبك، قال: لمَ عزلتني ؟ قال: والله إني لأحبك، قال: لمَ عزلتني ؟ قال: والله إني لأحبك، يريد جوابًا، فقال له سيدنا عمر: والله يا ابن الوليد ما عزلتك إلا مخافة أن يفتتن الناس بك لكثرة ما أبليت في سبيل الله >>، خاف هذا الخليفة العملاق أن يتوهم الناس أن الذي ينتصر هو خالد، لكن الذي ينصر هو رب خالد، فعزل خالدا، وبقي النصر مستمراً من أجل التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد.