المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شهر شعبان وما فيه من فوائد وأحداث


اميرة الحرف
05-07-2017, 08:29 PM
شهر شعبان وما فيه من فوائد وأحداث


إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

[الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي لا نَاقِضَ لِمَا بَنَاهُ، وَلا حَافِظَ لِمَا أَفْنَاهُ، وَلا مَانِعَ لِمَا أَعْطَاهُ، وَلا رَادَّ لِمَا قَضَاهُ، وَلا مُظْهِرَ لِمَا أَخْفَاهُ، وَلا سَاتِرَ لِمَا أَبْدَاهُ، وَلا مُضِلَّ لِمَنْ هَدَاهُ، وَلا هَادِيَ لِمَنْ أَعْمَاهُ، أَنْشَأَ الْكَوْنَ بِقُدْرَتِهِ وَمَا حَوَاهُ، وَرَزَقَ ... بِمِنَّتِهِ وَمَنِّهِ مَنْ وَالاهُ، ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ﴾ [الإسراء: 23].

خَلَقَ آدَمَ بِيَدِهِ وَسَوَّاهُ، وَأَسْكَنَهُ فِي حَرَمِ قُرْبِهِ وَحِمَاهُ، وَأَمَرَهُ كَمَا شَاءَ وَنَهَاهُ، وَأَجْرَى القضاء بموافقته هواه، فنزعت يَدُ التَّفْرِيطِ مَا كَسَاهُ، ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِ فَرَحِمَهُ وَاجْتَبَاهُ، وَحَالهُ يُنْذِرُ مَنْ يَسْعَى فِيمَا اشْتَهَاهُ، وَطَرَدَ إِبْلِيسَ وَكَانَتِ السَّمَوَاتُ مَأْوَاهُ، فَأَصَمَّهُ بِمُخَالَفَتِهِ كَمَا شَاءَ وَأَعْمَاهُ، وَأَبْعَدَهُ عَنْ بَابِهِ لِلْعِصْيَانِ وَأَشْقَاهُ، وَفِي قِصَّتِهِ نَذِيرٌ لِمَنْ خَالَفَهُ وعصاه...

تَعَالَى رَبُّنَا وَسُبْحَانَهُ وَحَاشَاهُ؛ أَنْ يُخَيِّبَ رَاجِيَهُ وَيَنْسَى مَنْ لا يَنْسَاهُ، أَخَذَ مُوسَى مِنْ أُمِّهِ طِفْلا وَرَاعَاهُ، وَسَاقَهُ إِلَى حِجْرِ عَدُوِّهِ فَرَبَّاهُ، وَجَادَ عَلَيْهِ بِنِعَمٍ لا تُحْصَى وَأَعْطَاهُ، فَمَشَى فِي الْبَحْرِ وَمَا ابْتَلَّتْ قَدَمَاهُ، وَتَبِعَهُ العدوُّ فأدركَه الغرق وواراه، فقال: آمنت؛ فإذا جبريل يغلق فاه، وكان موسى من غَايَةِ شَرَفِهِ وَمُنْتَهَاهُ، أَنَّهُ خَرَجَ يَطْلُبُ نَارًا فناداه: ﴿ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ ﴾ [القصص: 30].

وَشَرَّفَ أُمَّتَهُ شَرَفًا بَيِّنًا أَوْلاهُ ﴿ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [البقرة: 47] بِكُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أَخَذْنَاهُ.
خَلَقَ مُحَمَّدًا وَاخْتَارَهُ عَلَى الْكُلِّ وَاصْطَفَاهُ، وَكَشَفَ لَهُ الْحِجَابَ عِنْدَ قَابَ قَوْسَيْنِ فَرَآهُ، وَأَوْحَى إِلَيْهِ مِنْ سِرِّهِ الْمَسْتُورِ مَا أَوْحَاهُ، وَوَعَدَهُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ وَسَيُبْلِغُهُ مُنَاهُ.

فَالْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي دَلَّنَا بِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ وَعَرَّفَنَاهُ، وَأَجَلَّنَا بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ الْقَدِيمِ وَعَلَّمَنَاهُ، وَهَدَانَا إِلَى بَابِهِ بِتَوْفِيقٍ أَوْدَعَنَاهُ، حَمْدًا لا يَنْقَضِي أُولاهُ وَلا يَنْفَدُ أُخْرَاهُ.

وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ مَا تَحَرَّكَتِ الأَلْسُنُ وَالشِّفَاهُ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ ومن والاه، صَلاةً دَائِمَةً تَدُومُ بِدَوَامِ مُلْكِ اللَّهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا] [1].


إخواني وأحبابي في الله! هذا هو شهر شعبان وقد حدثت فيه أحداث وأحوال عظام، وجرت فيه أمور على مرِّ السنين والأعوام، ولأنه يسبق رمضان، فاختصَّه النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن بقية الشهور بالصيام، فقد قال أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ =رضي الله تعالى عنهما=، (يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ، قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ»[2].


ولأنه صلى الله عليه وسلم ينشغل فيه بالصيام تغتنم بعضُ أمهاتِ المؤمنينَ قضاءَ رمضانَ، تقول عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: (كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلا فِي شَعْبَانَ؛ الشُّغْلُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)[3].


وما ذاك إلاَّ استقبالا لشهرِ الصيامِ والحسناتِ والخيرات، بالصيامِ والأعمالِ الصالحات، فقد ثبت عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لا يَصُومُ، وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلاَّ رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ)[4].


قال المناوي رحمه الله تعالى: [فعند أبي داود: "إذا انتصف شعبان فلا تصوموا"، وعند النسائي: "فكفُّوا عن الصيام"، [5]، وعند ابن ماجه [6]: "إذا كان النصف من شعبان فلا صوم حتى يجيء رمضان"، وعند ابن حبان [7]: "فأفطروا حتى يجيء رمضان"، وفي رواية له [8]: "لا صوم بعد نصف شعبان حتى يجيء رمضان"، ولابن عدي: "إذا انتصف شعبان فأفطروا". [9]، وللبيهقي [10]: "إذا مضى النصف من شعبان فأمسكوا حتى يدخل رمضان". [11]].
وعند الترمذي [12]: «إِذَا بَقِيَ نِصْفٌ مِنْ شَعْبَانَ فَلا تَصُومُوا».

وهذا يحثنا على أن نبادر بالصيام في أوائل شعبان، لا أن نترك الصيام، وبعد النصف نبدأ نصوم، فمن كان له عادة أن يصوم اثنين وخميس، أو من سرر الشهر وختامه، أو ابتدأ صوما من قبل انتصاف شعبان، فكلُّ ذلك لا يمنع من الصوم بعد انتصاف هذا الشهر.

وتشتدُّ كراهيةُ الصيام وتتأكد في أواخر شعبان، فعَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لاَ يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمَهُ، فَلْيَصُمْ ذَلِكَ اليَوْمَ»[13].


أمَّا يومُ الشكِّ؛ وهو الثلاثون من شعبان؛ هل هو من رمضانَ أو من شعبانَ، فصيامه مكروه، فقد ورد النهيُ صريحا عن صومه، واستثني من كان له عادة بالصيام فوافق ذلك اليوم، لو كان يوم الثلاثين يوم الخميس أو يوم اثنين، وهو كان معتادا على صيامهما على أنه سنة وليس صيامه أنه من رمضان جاز له صيامه.

عَنْ صِلَةَ رحمه الله تعالى، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَمَّارٍ -رضي الله تعالى عنه- فَأُتِيَ بِشَاةٍ مَصْلِيَّةٍ -أي مشوية-، فَقَالَ: (كُلُوا)، فَتَنَحَّى بَعْضُ الْقَوْمِ، قَالَ: (إِنِّي صَائِمٌ)، فَقَالَ عَمَّارٌ: «مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»[14].


وقال سِمَاكٌ: (دَخَلْتُ عَلَى عِكْرِمَةَ فِي يَوْمٍ قَدْ أُشْكِلَ؛ مِنْ رَمَضَانَ هُوَ أَمْ مِنْ شَعْبَانَ، وَهُوَ يَأْكُلُ خُبْزًا وَبَقْلاً وَلَبَنًا)، فَقَالَ لِي: (هَلُمَّ!) فَقُلْتُ: (إِنِّي صَائِمٌ)، قَالَ وَحَلَفَ بِاللَّهِ: (لَتُفْطِرَنَّ)، قُلْتُ: (سُبْحَانَ اللَّهِ!) مَرَّتَيْنِ، (فَلَمَّا رَأَيْتُهُ يَحْلِفُ لا يَسْتَثْنِي تَقَدَّمْتُ)، قُلْتُ: (هَاتِ الآنَ مَا عِنْدَكَ)، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله تعالى عنهما-، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ سَحَابَةٌ أَوْ ظُلْمَةٌ، فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ عِدَّةَ شَعْبَانَ، وَلا تَسْتَقْبِلُوا الشَّهْرَ اسْتِقْبَالاً، وَلا تَصِلُوا رَمَضَانَ بِيَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ»[15].


وفي رواية: «أَحْصُوا هِلالَ شَعْبَانَ لِرَمَضَانَ، وَلا تَخْلِطُوا بِرَمَضَانَ؛ إِلاَّ أَنْ يُوَافِقَ ذَلِكَ صِيَامًا كَانَ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ، وَصُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ؛ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ تُغْمَى عَلَيْكُمُ الْعِدَّةُ». [16]، فوجودِ السُّحُبِ والغيوم، وما يحول دون رؤية هلال رمضان؛ لا يُبيحُ استعجالَ الصيامِ، ولا بُدَّ من التريُّثِ والتمهُّلِ حتى التيقُّن من رؤية هلالِ رمضان، أو إكمالِ شعبان ثلاثين ليلة.

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ سَحَابٌ أوْ ظُلْمَةٌ أَوْ هَبْوَةٌ"، -أي غَبْرَةُ،- "فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ، وَلا تَسْتَقْبِلُوا الشَّهْرَ اسْتِقْبَالا، وَلا تَصِلُوا رَمَضَانَ بِيَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ»[17].


إنَّ شهرَ شعبانَ يتكرَّرُ على مَرِّ السنينَ والأعوام، فإذا قال قائل: حدث حادثٌ في شعبان مثلا؛ فيشكل على المستمع؛ أيُّ شعبان هذا؟ كما حدث ذلك في عهد عمرَ -بن الخطاب- رضي الله تعال عنه، مما جعله يؤرخ بالتاريخ الهجري الهلالي، قال ابن كثير رحمه الله في [وقائع السّنة الأولى من الْهِجْرَة: ...
وَذَلِكَ أَنَّ أَمِيرَ المؤمنينَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ -تعالى- عَنْهُ رُفِعَ إِلَيْهِ صَكٌّ، أَيْ حُجَّةٌ لِرَجُلٍ عَلَى آخَرَ، وَفِيهِ أَنَّهُ يَحِلُّ عَلَيْهِ فِي شَعْبَانَ، فَقَالَ عُمَرُ: (أَيُّ شَعْبَانَ؟ أَشَعْبَانُ هَذِهِ السَّنَةِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا، أَوِ السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ، أَوِ الآتِيَةِ؟!) ثُمَّ جَمَعَ الصَّحَابَةَ -رضي الله تعالى عنهم- فَاسْتَشَارَهُمْ فِي وَضْعِ تَأَرِيخٍ يَتَعَرَّفُونَ بِهِ حُلُولَ الدُّيُونِ وَغَيْرَ ذَلِكَ.
فَقَالَ قَائِلٌ: (أَرِّخُوا كَتَارِيخِ الْفُرْسِ)، فَكَرِهَ ذَلِكَ، وَكَانَتِ الْفُرْسُ يُؤَرِّخُونَ بِمُلُوكِهِمْ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ.
وَقَالَ قَائِلٌ: (أَرِّخُوا بِتَارِيخِ الرُّومِ)، وَكَانُوا يُؤَرِّخُونَ بِمُلْكِ إِسْكَنْدَرَ بْنِ فَلبس الْمَقْدُونِيِّ، فَكَرِهَ ذَلِكَ.
وَقَالَ آخَرُونَ: (أَرِّخُوا بِمَوْلِدِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).
وَقَالَ آخَرُونَ: (بَلْ بِمَبْعَثِهِ).
وَقَالَ آخَرُونَ: (بَلْ بِهِجْرَتِهِ).
وَقَالَ آخَرُونَ: (بَلْ بِوَفَاتِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ)، -آراء؛ فماذا اختار منها عمر رضي الله تعالى عنه.
فَمَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ -تعالى- عَنْهُ إِلَى التَّأْرِيخِ بِالْهِجْرَةِ؛ لِظُهُورِهِ وَاشْتِهَارِهِ، وَاتَّفَقُوا مَعَهُ عَلَى ذَلِكَ]. [18]


وههنا فائدة: أنَّه لا بُدَّ لولي الأمر من مستشارين في شتى الأمور الدينية والدنيوية؛ من أهل العلم والخبرة، وبعد الاستشارةِ غيرِ الموجبة، يختار ما هو أنفعُ للأمة وأفضل، ليس على حسب ميل النفس والهوى.

وفي هذا الشهر شهر شعبان تم تحويلُ قبلة الصلاة، قبلة المسلمين من بيتِ المقدسِ قبلةَ المسلمين الأولى لبضعةَ عشرَ شهرا، إلى البيتِ الحرام، فقد كان عليه الصلاة والسلام قبل الهجرة إذا صلَّى جعل الكعبةَ بينه وبين القبلة؛ بيتِ المقدس، يجمع بينهما، وبعدما هاجر لم يستطع الجمعَ بينهما، فصار يصلِّي مستقبلا بيت المقدس، مستدبرا البيتَ الحرام، وكان ينتظرُ الأمرَ من السماء بالتوجه إلى المسجد الحرام في الصلاة، فنزل قول الله جل جلاله: ﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 144].

قال ابن كثير: [وفي شعبان من هذه السنة -أي الثانية من الهجرة- حُوِّلَت القبلةُ من بيت المقدس إلى الكعبة، وذلك على رأس ستةَ عَشَرَ شهراً من مَقْدَمِه المدينة، وقيل: سبعةَ عشرَ شهراً، وهما في الصحيحين.

وكان أَوَّلَ من صلَّى إليها؛ -إلى القبلة إلى البيت الحرام- أبو سعيد بنُ المعلَّى وصاحبٌ له، كما رواه النسائي [19]: وذلك -قال أبو سعيد- أنَّا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطُبُ الناسَ ويتلو عليهم تحويل القبلة، فقلت لصاحبي: (تعالَ نصلي ركعتين فنكونَ أوَّلَ من صلى إليها، فتوارينا وصلينا إليها)، ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس الظهر يومئذ...
-وفي شعبان- فُرضَ صومُ رمضان، وفرِضت لأجلِه زكاةُ الفِطرِ قُبَيلَه بيوم][20].


[وغزا صلى الله عليه وسلم بني المصطلق من خزاعة في شعبان من السنة السادسة، وقيل: كانت في شعبان سنة خمس، والأول أصحُّ، وهو قول ابن إسحاقَ وغيرِه][21].


وفي هذا الشهرِ توفِّي أخو رسولِ الله صلى الله عليه وسلم [عثمانُ بن مظعون، بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جُمَح، يكنى أبا السائب، أسلم قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دارَ الأرقم، وهاجرَ إلى الحبشة الهجرتين، وحرَّم الخمر -على نفسه- في الجاهلية. وقال: (لا أشرب شيئاً؛ يُذهب عقلي، ويُضحك بي من هو أدنى مني، ويحملني على أن أُنكح كريمتي من لا أريد).

وشهد بدراً وكان متعبداً، توفي في شعبان على رأس ثلاثين شهراً من الهجرة، وقبَّل النبي صلى الله عليه وسلم خَدَّه وسمَّاه السلف الصالح، وهو أوَّلُ من قُبِر بالبقيع ... ][22].


ولَمَّا مَاتَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، أُخْرِجَ بِجَنَازَتِهِ فَدُفِنَ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلاً أَنْ يَأْتِيَهُ بِحَجَرٍ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ حَمْلَهُ، فَقَامَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَسَرَ عَنْ ذِرَاعَيْهِ، ... قَالَ -الراوي-: (كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ ذِرَاعَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ حَسَرَ عَنْهُمَا ثُمَّ حَمَلَهَا فَوَضَعَهَا عِنْدَ رَأْسِهِ)، وَقَالَ: «أَتَعَلَّمُ بِهَا قَبْرَ أَخِي، وَأَدْفِنُ إِلَيْهِ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِي»[23].
وفي سنة خمس من الهجرة [في شعبان ولد الحسين بن علي رضي -تعالى- الله عنهما][24].
وفي سنة ثمان وثلاثين، [في شعبان: ثارت الخوارج وخرجوا على عليٍّ رضي الله عنه، وأنكروا عليه كونه حكَّم الحكمين][25].
وسعيد بن حبير رحمه الله؛ [كَانَ قَتْلُهُ: فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ][26].
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الآخرة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين وبعد؛ ﴿ رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ ﴾ [إبراهيم: 38].

فـ[هَذِه سَاعَة رفيعة الْقدر، منيرة الْفجْر، قد أثنينا فِيهَا على الله، وجلونا فِيهَا محَاسِن آلائِه، والربُّ سُبْحَانَهُ قد أشرقت أنوارُ قربِه على الْقُلُوب، ورجونا من سَعَة عَفوه غفران الذُّنُوب.
فمدُّوا أيديَكم لنستقي سُحُبَ رَحمتِه الممطرة، ونستكسِي من رضوانه الْحلَلَ الفاخرة، وَمن كَانَ مِنْكُم لبَعض إخوانه الْمُؤمنِينَ مصارمًا مخاصما، فَلْيَكُن من الآنَ على مواصلته عَازِمًا، وَمن كَانَ مصرًّا على مَكْرُوه فليقلع عَنهُ، وَمن كَانَ قد أصاب ذَنبا فليتب إلى الله، وَمن كَانَ مشاحنًا لجاره فليقصد حسن الْجوَار، فَلَا حقَّ بعد حقِّ الْقَرَابَة أعظمُ من حقِّ الْجَار، وَقُولُوا بقلوب حَاضِرَةٍ خاشعةٍ، إلى كرمِ اللهِ طامحةٍ، فِي نيل رِضَاهُ طامعةٍ قولوا:
يَا حَيَّ يَا قيوم! يَا ذَا الْجلَال والإكرام! يَا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ! يَا كثيرَ الْخَيْر! يا عظيم المنِّ، يَا دَائِم الْمَعْرُوف! يَا ذَا الْمَعْرُوف الَّذِي لَا يَنْقَطِع أبدا! وَلَا يُحْصِيه غَيره أحدا! يَا مُحسنَ يَا منعمَ يَا متفضل! نَسْأَلك مِمَّا كَتبْتَ على نَفسك من الرَّحْمَة، وَمِمَّا فِي خَزَائِن فيضك ومكنون غيبك؛ أن تضَاعف صلواتِك وسلامك على سيدنَا ونبيِّنا مُحَمَّدٍ وآلِه وَصَحبه، وَسَائِرِ عِبَادِك الصَّالِحين، اللَّهُمَّ اعتقنا من رِقِّ الذُّنُوب، وخلِّصنا من شَرِّ النُّفُوس، وأذهب عَنَّا وَحْشَة الإساءة، وَطَهِّرْنَا من دنس الذُّنُوب، وباعد بَيْننَا وَبَين الْخَطَايَا كما باعدت بين المشرق والمغرب، وأجرنا من الشَّيْطَان الرَّجِيم.
اللَّهُمَّ طيبنَا للقائك، وأهِّلْنا لولائك، وأدخلنا مَعَ المرحومين، وألحقنا بالصالحين، وأعنا على ذكرك وشكرك وَحسن عبادتك، وتلاوة كتابك، واجعلنا من حزبك المفلحين، وأيدنا بجندك المنصورين، وارزقنا مرافقة الَّذين أنعمت عَلَيْهِم من النَّبِيين وَالصديقين، وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ]. [27]، اللهم آمين آمين!
﴿ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].

نقلها من مظانها وخطبها: فضيلة شيخنا وأستاذنا/ أبو المنذر فؤاد بن يوسف أبو سعيد جعلنا الله وإياه من المقبولين المغفور لهم يا رب العالمين.

مسجد الزعفران بالوسطى غزة فلسطين.
8/ شعبان/ 1438هلالية، وفق: 5/ مايو تموز/ 2017 شمسية.
وهي مقتبسة بعض الشيء من خطبة سابقة قبل خمس سنين.

[1] بتصرف من التبصرة لابن الجوزي (2/ 55، 56).

[2] (س) (2357)، (حم) (21753)، الصحيحة (1898).

[3] (م) (1146).

[4] (م) (1156).

[5] وجدته في معجم ابن المقرئ (ص: 60، رقم 96).

[6] ابن ماجه (1651).

[7] ابن حبان (3589).

[8] ابن حبان (3591).

[9] (طس) (1936)، (عب) (7325).

[10] البيهقي (7961).

[11] (حم) (9707).

[12] الترمذي (738).

[13] (خ) (1914)، (م) (1082) نحوه.

[14] (س) (2188)، (د) (2334)، (ت) (686) وقال: حديث حسن، (جه) (1645).

[15] (س) (2189).

[16] (قط) (2174) الصحيحة (565).

[17] شرح السنة للبغوي (6/ 232، رقم 1716) وانظر الصحيحة (1917).

[18] السيرة النبوية لابن كثير (2/ 287).

[19] السنن الكبرى للنسائي (10937).

[20] الفصول في السيرة (ص: 127).

[21] الفصول في السيرة (ص: 179).

[22] صفة الصفوة (1/ 169، رقم 30).

[23] (د) (3206).

[24] سير أعلام النبلاء ط الرسالة (سيرة 1/ 462).

[25] سير أعلام النبلاء ط الرسالة (راشدون/ 279).

[26] سير أعلام النبلاء ط الرسالة (4/ 341).

[27] التذكرة في الوعظ لابن الجوزي (ص: 28، 29).

اميرة خواطر
05-08-2017, 01:25 AM
.


ألــــف شــــكـــــر

.

سلمُ لنا هذُا الذوُوُق الذُي يقطفُ لنا
وسلم لنا هذا القلم المميز
اجمًل العبارات وٌاروعهـــا
ماننحرُم منُ ذائقتُك الجميلهُ والمميزهُ
تحية عطرة ل روحك الجميلة
شكراً لك من القلب على هذا العطاء
ل روحك الجووري

اميرة خواطر

إحساس الورد
05-08-2017, 04:58 PM
http://www.karom.net/up/uploads/13343230531.gif

اميرة الحرف
05-08-2017, 07:57 PM
.


ألــــف شــــكـــــر

.

سلمُ لنا هذُا الذوُوُق الذُي يقطفُ لنا
وسلم لنا هذا القلم المميز
اجمًل العبارات وٌاروعهـــا
ماننحرُم منُ ذائقتُك الجميلهُ والمميزهُ
تحية عطرة ل روحك الجميلة
شكراً لك من القلب على هذا العطاء
ل روحك الجووري

اميرة خواطر












لاحرمت طلتك الجميلة
انرت الموضوع باطلالتك
العبقة لك ارق التحايا

اميرة الحرف
05-08-2017, 07:58 PM
http://www.karom.net/up/uploads/13343230531.gif

لاحرمت طلتك الجميلة
انرت الموضوع باطلالتك
العبقة لك ارق التحايا

عاشق الجنان
05-11-2017, 10:52 PM
بِ كل طُهر الرياحينَ
أُصافحْ نَضج إبدآعِكْ
ل/رووحك قلائد من الجوري
احتــرآمي ل/سمووك
..//
http://www.karom.net/up/uploads/karom.net1480336132791.gif

ديفا
05-11-2017, 11:40 PM
جزاك الله خير الجزاء ..
بـاقة جوري لشخصك :)

اميرة الحرف
05-12-2017, 02:47 AM
لاحرمت طلتكم الجميلة
انرتم الموضوع باطلالتكم
العبقة لكم ارق التحايا

اميرة الحرف
05-12-2017, 02:47 AM
لاحرمت طلتكم الجميلة
انرتم الموضوع باطلالتكم
العبقة لكم ارق التحايا

أمير المحبه
06-08-2017, 08:41 AM
جزاك الله خيرا
يعطيك العافيه يارب
اناار الله قلبكك بالايمــــــــان
وجعل ماقدمت في ميزان حسناتكـ
لكـ شكري وتقديري

اميرة الحرف
06-08-2017, 11:12 PM
لاحرمت طلتكم الجميلة
انرتم الموضوع باطلالتكم
العبقة لكم ارق التحايا