اميرة الحرف
06-12-2017, 09:23 PM
أحاديث كتاب الصيام من رياض الصالحين
التعليق على أحاديث كتاب الصيام من كتاب رياض الصالحين
عبدالله بن محمد الحسين أباالخيل
بسم الله الرحمن الرحيم
قال المؤلف : 217- باب وجوب صوم رمضان وبَيان فضل الصّيام وما يتعلق به ، قال اللَّه تعالى: { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم } إلى قوله تعالى: { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدىً للناس وبينات من الهدى والفرقان، فمن شهد منكم الشهر فليصمه، ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر } الآية. وأما الأحاديث فقد تقدمت في الباب الذي قبله .
1223 – وَعنْ أَبي هُريرة رضِي اللَّه عنْهُ ، قال : قال رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « قال اللَّه عَزَّ وجلَّ : كُلُّ عملِ ابْنِ آدم لهُ إِلاَّ الصِّيام ، فَإِنَّهُ لي وأَنَا أَجْزِي بِهِ ، والصِّيام جُنَّةٌ فَإِذا كَانَ يوْمُ صوْمِ أَحدِكُمْ فلا يرْفُثْ ولا يَصْخَبْ ، فَإِنْ سابَّهُ أَحدٌ أَوْ قاتَلَهُ ، فَلْيقُلْ : إِنِّي صَائمٌ ، والَّذِي نَفْس محَمَّدٍ بِيدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائمِ أَطْيبُ عِنْد اللَّهِ مِنْ رِيحِ المِسْكِ ، للصَّائمِ فَرْحَتَانِ يفْرحُهُما : إِذا أَفْطرَ فَرِحَ بفِطْرِهِ ، وإذَا لَقي ربَّهُ فرِح بِصوْمِهِ » متفقٌ عليه ، وهذا لفظ روايةِ الْبُخَارِي ، وفي رواية له : « يتْرُكُ طَعامَهُ ، وَشَرابَهُ ، وشَهْوتَهُ ، مِنْ أَجْلي ، الصِّيامُ لي وأَنا أَجْزِي بِهِ ، والحسنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا » ، وفي رواية لمسلم : « كُلُّ عَملِ ابنِ آدَمَ يُضَاعفُ الحسَنَةُ بِعشْر أَمْثَالِهَا إِلى سَبْعِمِائة ضِعْفٍ ، قال اللَّه تعالى : « إِلاَّ الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وأَنا أَجْزي بِهِ : يدعُ شَهْوتَهُ وَطَعامَهُ مِنْ أَجْلي ، لِلصَّائم فَرْحتَانِ : فرحة عند فطره ، فَرْحةٌ عِنْدَ لقَاء رَبِّهِ ، ولَخُلُوفُ فيهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ ريحِ المِسْكِ » .
1224 – وعنهُ -أبي هريرة – أَنَّ رسولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قالَ : « مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَين في سَبِيلِ اللَّهِ نُودِيَ مِنْ أَبْواب الجَنَّةِ : يَا عَبْدَ اللَّهِ هذا خَيْرٌ ، فَمَنْ كَان مِنْ أَهْلِ الصَلاةِ دُعِي منْ باب الصَّلاةِ ، ومَنْ كانَ مِنْ أَهْلِ الجِهَادِ دُعِي مِنْ باب الجِهَادِ ، ومَنْ كَانَ مِنْ أَهْل الصِّيامِ دُعِيَ مِنْ باب الرَّيَّانِ ، ومنْ كَانَ مِنْ أَهْل الصَّدقَة دُعِي مِنْ باب الصَّدقَةِ » قال أبو بكرٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : بأَبي أَنت وأُمِّي يا رسولَ اللَّه ما عَلى مَنْ دُعِي مِنْ تِلكَ الأَبْوابِ مِنْ ضَرُورةٍ ، فهلْ يُدْعى أَحدٌ مِنْ تلك الأَبْوابِ كلِّها ؟ قال : « نَعَم وَأَرْجُو أَنْ تكُونَ مِنهم » متفقٌ عليه .
1225- وعن سهلِ بنِ سعدٍ رضي اللَّه عنهُ عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « إِنَّ فِي الجَنَّة باباً يُقَالُ لَهُ : الرَّيَّانُ ، يدْخُلُ مِنْهُ الصَّائمونَ يومَ القِيامةِ ، لا يدخلُ مِنْه أَحدٌ غَيرهُم ، يقالُ: أَينَ الصَّائمُونَ ؟ فَيقومونَ لا يدخلُ مِنهُ أَحَدٌ غيرهم ، فإِذا دَخَلوا أُغلِقَ فَلَم يدخلْ مِنْهُ أَحَدٌ » متفقٌ عليه .
1226 – وعَنْ أَبي سَعيدٍ الخُدْريِّ رَضيَ اللَّه عنهُ قال : قالَ رسولُ اللَّهِ : « مَا مِنْ عبْدٍ يصُومُ يَوماً في سبِيلِ اللَّه إِلاَّ باعَدَ اللَّه بِذلك اليَومِ وجهَهُ عَن النَّارِ سبعينَ خرِيفاً » متفقٌ عليه .
1227 – وعنْ أَبي هُرَيرةَ رضيَ اللَّه عنهُ ، عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قالَ : « مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً واحْتِساباً ، غُفِرَ لَهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذنْبِهِ » متفقٌ عليه
– 1228 – وعنهُ رضيَ اللَّهُ عنهُ ، أَنَّ رسولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قالَ : « إِذا جَاءَ رَمَضَانُ ، فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجنَّةِ ، وغُلِّقَت أَبْوَابُ النَّارِ ، وصُفِّدتِ الشياطِينُ » متفقٌ عليه .
مسائل الباب :
1) لفتات وإشارات على آية فرض الصيام :
الأولى : صدرتْ الآية ب(يا أيها الذين آمنوا …) الآية . ذكر السعدي أن هذا النداء يوحي بأمرين :
الأمر الأول : دعوة لهم أن يتمموا إيمانهم ويكملوه بالشرائع الظاهرة والباطنة . الأمر الثاني : دعوة لهم إلى شكر نعمة الإيمان ببيان تفصيل هذا الشكر وهو الانقياد التام لأمره ونهيه .
الأمر الثاني : في قوله ( كما كتب على الذين . ) الآية ، التكليف شاق على النفس فتحتاج إلى عون ودفع لها لتنهض به وتستجيب له ، فراعى الشرع هذا الجانب ، وبين أن الصيام مفروض على من سبق فهي ليست الوحيدة التي قامت بهذا الأمر فالطريق مسلوكة ، وهي دعوة للتنافس مع من سبق ، وهم ليسوا بأفضل منكم .
الثانية : في قوله (أيام معدودات ..) الآية ، فهي أيام قليلة تصام تباعاً وتنقضي سراعاً وليست كل العمر ؛ وهذا توجيه وتسلية وتعليل من أجل ترويض النفوس لقبول تلك العبادة .
الثالثة : في قوله ( لعلكم تتقون …) الآية ، شرع الصيام لأجل تحقيق التقوى في النفوس لا لإتعاب النفس والمشقة عليها ؛ فهو يدرب على مراقبة المولى وهو معين على الاستكثار من العبادات لخلو الجوف من الطعام .
2) قوله صلى الله عليه وآله وسلم ” لخلوف فم الصائم أطيب عند الله ..” ” يوم القيامة ” كما في رواية مسلم ، وهذا هو ظهور أثر العبادة ، وهذا شعار المؤمنين يوم القيامة في الوضوء التحجيل ، وفي الفم رائحة الطيب كما قال ابن حبان .
3) سبب إضافة الصيام إلى الله عز وجل . من أجمل ما قيل في ذلك أن الصوم بعيد من الرياء لخفائه بخلاف الصلاة ونحوها ، ولكونه ليس للصائم ونفسه حظ فيه .
4) قوله سبحانه وتعالى “وأنا أجزى به ” فكل عمل يضاعف إلى أضعاف كثيرة إلا الصيام فلا حصر لتضعيفه كما قال الأوزاعي ” ليس يوزن لهم ولا يكال ، وإنما يغرف لهم غرفا ” على قوله تعالى (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) وقد جاء تسمية شهر الصيام بشهر الصبر كما في حديث عند أحمد والنسائي .
5) المراد ب ” زوجين ” أي أنفق شيئين من أي صنف من أصناف المال ، والمراد ” في سبيل الله ” عند الإطلاق يراد به الجهاد ، فقد ذكر ابن حجر في الفتح أنه يأتي على معنى الجهاد فعن أبي هريرة ” ما من مرابط يرابط في سبيل الله فيصوم يوماً في سبيل الله ” ، وجاء في معنى طاعة الله تعالى ” …يوماً في سبيل الله ابتغاء وجه الله عز وجل ” ، والبخاري ساق في كتاب الجهاد ” باب فضل الصوم في سبيل الله ” ، وبوب باباً آخر في هذا الكتاب – الجهاد – : باب فضل النفقة في سبيل الله ، وقد يدل على هذا الوجه حديث القرآن في سورة البقرة عن النفقة قال تعالى (الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله …) الآية .
6) قال العلماء الصيام في الجهاد أفضل فيمن لا يضعفه ولا يتضرر به لاجتماع فضيلتان ، وقد جاء ما يفيد أن ذلك في صيام التطوع كما في مسند أبي يعلي ” من صام يوماً في سبيل الله متطوعاً في غير رمضان ” وضعفه الألباني .
7) أبواب الجنة ثمانية كما جاء ذلك في الصحيحين ، وأبواب جهنم سبعة كما في سورة الحجر ، وجاء تسمية أربعة أبواب للجنة في هذا الحديث ، قال ابن حجر : وبقي من الأركان الحج فله باب بلا شك ، وأما الثلاثة فمنها باب الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس كما عند أحمد عن الحسن مرسلا ، …، والباب الأيمن باب المتوكلين كما في صحيح البخاري في تفسير سورة الإسراء باب (ذرية من حملنا مع نوح …) ، وأما الباب الثالث فلعله باب الذكر ، فعند الترمذي ما يؤمي إليه ، ويحتمل أن يكون باب العلم ، ونقل النووي عن القاضي عياض في شرح مسلم في أبواب الجنة ؛ باب التوبة وباب الكاظمين وباب الراضين .
8) قول أبو بكر ” ما على من دعى من تلك الأبواب ” سعى أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأراد أعلى وأكمل المطالب وهو أن يدعى منها كلها لا من واحد فقط ، وقد جاء ما يدل على دعاءه من جميع الأبواب الثمانية فعند ابن حبان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ” أجل –أي نعم – هناك من يدعى منها كلها ، وأنت هو يا أبا بكر ” ، ومن اجتمعت فيه تلك الخلال دعي من جميع الأبواب على سبيل التكريم له ، وإلا فدخوله إنما يكون من باب واحد ، ولعله يدخل من باب العمل الذي يكون أغلب عليه فهو أفضل في حقه ، فيختاره لا مجبوراً ولا ممنوعا من الدخول من غيره ، فإذا أكثر المرء من عمل تطوعاً فوق ما وجب حتى عرف به دعي من بابه في الجنة ، وقال ابن حجر : على قوله “ما على من دعي …” من أكثر من شيء عرف به ، وعند أحمد ” لكل أهل عمل باب يدعون من بذلك العمل ؛ فلأهل الصيام باب يدعون …” ، وأقل الإكثار في الصيام فيما يظهر والله أعلم صيام ثلاثة أيام من كل شهر فقد جاء في الصحيحين من حديث ابن عمرو ” صم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله ” وتفسير ذلك ما جاء عند النسائي والترمذي من حديث أبي هريرة وأبي ذر ” من صام من كل شهر ثلاثة أيام فذلك صيام الدهر ، فأنزل الله تصديق ذلك في كتابه ( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها …) اليوم بعشرة أيام ..” الحديث ، وصححه الألباني ، وأبو بكر رضي الله عنه سبق إلى الخير قبل أن يدعى إليه ففي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :” قال يوماً :من أصبح منكم اليوم صائماً ؟ قال أبو بكر الصديق : أنا ، قال فمن اتبع منكم جنازة ؟ قال أبو بكر : أنا ، قال : من أطعم منكم اليوم مسكيناً ؟ قال أبو بكر : أنا ، قال : فمن عاد منكم اليوم مريضاً ، قال أبو بكر ك أنا ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ” ما اجتمعن في رجل في يوم إلا دخل الجنة ” وآية سورة المؤمنون تصوره أجمل تصوير قال تعالى ( أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون …) .
9) تسمية باب الصائمين بالريان لأنه مشتق من الري وهو مناسب لحال الصائم ، والري أولى من الشبع لكون العطش أشق على الصائم من الجوع ، وجاء عند الترمذي ” من دخله لم يظمأ أبداً ” وصححه الألباني .
10) ساق البخاري هذا الحديث في “من صام رمضان ..”عدة مواضيع من صحيحه ومنها في كتاب الصوم باب من صام رمضان إيماناً واحتساباً ونية ، ولهذا فالمغفرة الموعودة هنا مشروطة بشروط :
1- أن يصوم إيماناً بالله ورسوله وتصديقاً بفرضية الصيام وما أعده الله تعالى للصائمين من جزيل الأجر .
2-أن يصوم احتساباً إلى طلباً للأجر والثواب بمعنى مخلصاً في عمله لا رياء ولا تقليداً ولا تجلداً ، ويصوم بطيب نفس غير كاره له ولا مستقلا لأيامه .
3- أن يجتنب كبائر الذنوب ، ودليله ” الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر ” رواه مسلم .
11) هل المغفرة لكل الذنوب أم مخصوصة بالصغائر فقط ، قال النووي : المعروف أنه يختص بالصغائر ، وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم : والصحيح قول الجمهور أن الكبائر لا تكفر بدون توبة ، وقال : ولو كانت الكبائر تقع مكفرة بالوضوء والصلاة …لم يحتج إلى التوبة ، وهذا باطل بالإجماع .
12) في حديث ” صفدتْ ..” الشياطين لا يخلصون إلى افتنان المسلمين إلى ما يخلصون إليه في غيره لاشتغالهم بالصيام الذي فيه قمع للشهوات ، والشياطين إنما يخلصون إلى من لا يصوم أو يصوم عن الحلال ويقع في الحرام ، والمصفد من الشياطين هم المردة كما جاء في الروايات ” تغل فيه مردة الشياطين ” وفي رواية “مردة الجن ” ، فالمقصود تقليل الشرور فيه ، وهذا أمر محسوس فإن وقوع ذلك فيه أقل من غيره ؛ ولا يلزم من تصفيد جميعهم أن لا يقع شر ولا معصية لأن لذلك أسباباً غير الشياطين كالنفوس الخبيثة والعادات القبيحة والشياطين الإنسية .
13) من فضائل شهر رمضان ما جاء عند الإمام أحمد والنسائي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ” أتاكم رمضان ، شهر مبارك ، فرض الله عز وجل عليكم صيامه، فيه تفتح أبواب السماء ، وتغلق فيه أبواب الجحيم ، وتغل فيه مردة الشياطين ، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم ” صححه الألباني في صحيح النسائي ، وعند الترمذي وابن ماجه ” وفتحت أبواب الجنة ولم يغلق منها باب ، وينادي مناد : يا باغي الخير أقبل ، ويا باغي الشر أقصر ، ولله عتقاء من النار ، وذلك في كل ليلة ” وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
14) ومن فضائله ما جاء عند الطبراني عن عبادة مرفوعاً : ” أتاكم رمضان ، شهر بركة يغشاكم الله فيه ، فتنزل الرحمة ، وتحط الخطايا ، ويستجيب فيه الدعاء ، ينظر الله إلى تنافسكم فيه ، ويباهي بكم ملائكته ؛ فأروا الله من أنفسكم خيرا ” رواه المنذري في الترغيب والترهيب ، وضعفه الألباني ، وذكره ابن رجب في اللطائف .
قال المؤلف : 218- باب الجود وفعل المعروف والإكثار من الخير في شهر رمضان والزيادة من ذلك في العشر الأواخر منه .
1230 – وعن ابنِ عباسٍ رضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ، أَجْوَدَ النَّاسِ ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ في رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ ، وَكَانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ في كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ ، فَلَرَسُولُ اللهِ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ، حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ » متفقٌ عليه .
1231- وعَنْ عائشة رَضَيَ اللَّه عَنْهَا قَالَتْ : كَانَ رسُول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « إِذا دَخَلَ العَشْرُ الأَوَاخِرُ مِنْ رمَضَانَ ، أَحْيا اللَّيْلَ ، وَأَيْقَظَ أَهْلَه ، وَشَدَّ المِئزرَ » متفقٌ عليه .
مسائل الباب :
1) تعليقات :
1- من المناسب تقديم حديث رقم (1202) من أحاديث باب -214- فضل قيام ليلة القدر . هنا في هذا الباب ، وهو : وَعَنْ عائشة قَالَتْ :كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَجْتَهِدُ فِي رَمضانَ مَالا يَجْتَهِدُ في غَيْرِهِ ، وفي العَشْرِ الأَوَاخِرِ منْه ، مَالا يَجْتَهدُ في غَيْرِهِ » رواهُ مسلمٌ ، خاصة بعد الحديث عن فضائل الشهر .
2- ساق المؤلف حديث رقم -1231- في هذا الباب مرة آخرى في : 214- باب فضل قيام ليلة القدْر ..، ورقمه هناك (1201) ، ومن المناسب أن يكون الحديث عنه في باب فضل قيام ليلة القدر إن شاء الله تعالى ، وقال الألباني على هذا الحديث ” وَجَدَ ” هي لمسلم فقط ، وهي مذكورة في باب فضل قيام الليل ، ولم تذكر هنا في هذا الباب .
2) قال ابن القيم : وكان من هديه صلى الله عليه وآله وسلم في شهر رمضان الإكثار من أنواع العبادات ….، يكثر فيه من الصدقة والإحسان وتلاوة القرآن والصلاة والذكر والاعتكاف ، وكان يخص رمضان من العبادة بما لا يخص غيره به من الشهور .
3) مدارسة القرآن في رمضان :
1- القرآن أنزل في رمضان (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن …) الآية .
2- القرآن أنزل للتدبر قال تعالى ( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته …) لا لمجرد القراءة ، وإن كان في مجرد التلاوة أجر ، وقد ذم الله سبحانه وتعالى الذين لا يعلمون منه إلا مجرد التلاوة . فقال تعالى (ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني …) والأماني هي مجرد التلاوة ، قال الحسن البصري : نزل القرآن ليتدبر ويعمل به فاتخذوا تلاوته عملا ، وقال الحسن بن علي رضي الله عنهما : أن من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم ؛ فكانوا يتدبرونها بالليل ، ويتفقدونها في النهار ، وقال ابن الجوزي : التدبر هو المقصود من القراءة ، وقال ابن القيم : فلا شيء أنفع للقلب من قراءة القرآن بالتدبر ، وقال : فلو علم الناس ما في قراءة القرآن بالتدبر لاشتغلوا بها عن كل ما سواها ، وقال ابن تيمية : من تدبر القرآن طالباً الهدى منه تبين له طريق الحق .
3- أفضل أوقات القراءة : قال النووي : وأما القراءة في غير الصلاة فأفضلها قراءة الليل ، وأما قراءة النهار فأفضلها ما كان بعد صلاة الصباح ، ومن الشهور رمضان ، وقال ابن حجر : المقصود من التلاوة الحضور والفهم ؛ ولأن الليل مظنة ذلك لما في النهار من الشواغل والعوارض الدنيوية والدينية .
4- قال ابن رجب : وإنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على المداومة على ذلك ، فأما الأوقات المفضلة كشهر رمضان وخصوصاً الليالي التي تطلب فيها ليلة القدر أو الأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها فيستحب الإكثار من تلاوة القرآن اغتناماً لفضيلة الزمان والمكان .
5- كيف كان السلف يحزبون قراءة القرآن ..؟!
كان بالسور لا بالأجزاء كما قال ابن تيمية ، فقد جاء عن أوس بن حذيفة رضي الله عنه قال : سألت أصحاب النبي صلى الله عليه آله وسلم كيف تحزبون القرآن ..؟! قالوا : ” ثلاث ، وخمس ، وسبع ، وتسع ، وإحدى عشر ، وثلاث عشر ، وحزب المفصل وحده ” رواه أبو داود وأحمد وابن ماجه ، وضعفه الألباني ، واحتج به ابن تيمية في كيف التحزيب ، والطريقة كالتالي : اليوم الأول : من الفاتحة إلى نهاية سورة النساء، واليوم الثاني : من المائدة إلى نهاية التوبة ، واليوم الثالث : من يونس إلى نهاية الكهف ، والرابع : من سورة مريم إلى نهاية الفرقان ، والخامس : من الشعراء إلى نهاية يس ، والسادس : من الصافات إلى نهاية الحجرات ، والسابع : من ق إلى نهاية القرآن .
6- محفزات على قراءة القرآن الكريم :
1/ الحسنة بعشر أمثالها لحديث ابن مسعود رضي الله عنه ” من قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنة ، والحسنة بعشر أمثالها ، لا أقول : آلم حرف ، بل : ألف حرف ولام حرف وميم حرف ” رواه الترمذي ، وصححه الألباني .
2/ أنه مهما تكررت قراءة القرآن من حافظ له وغيره فالحسنات تكتب للقاري بمجرد القراءة ولو كرر الآية مرات ، ولا يشعر القاري بالملل في قراءته بخلاف الكتب ونحوها ، فعن علي رضي الله عنه سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « أَلاَ إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ ». فَقُلْتُ مَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ ، وفيه « …. وَلاَ يَخْلَقُ عَلَى كَثْرَةِ الرَّدِّ …. » ذكر ابن كثير في الفضائل أنه من كلام علي رضي الله عنه ، وجاء شاهد عن ابن مسعود من قوله في المسند .
والله أعلم .
قال المؤلف : 219 – باب النَّهْي عن تقدّم رمضانَ بصوم بعد نصف شعبان إلاَّ لمن وصله بما قبله ، أو وافق عادةً له بأن كان عادته صوم الاثنين والخميس فوافقه .
1234- (الحديث الثالث في هذا الباب)وعنْ أَبي هُريْرَةَ رضِيَ اللَّه عَنْهُ قال : قالَ رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « إِذا بَقِيَ نِصْفٌ مِنْ شَعْبانَ فَلا تَصُومُوا » رواه الترمذي وقال : حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ .
1232 -(الحديث الأول) عن أَبي هُريرة رضيَ اللَّه عَنْهُ ، عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « لا يتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكمْ رَمَضَانَ بِصَومِ يومٍ أَوْ يومَيْنِ ، إِلاَّ أَن يَكونَ رَجُلٌ كَانَ يصُومُ صَوْمَهُ ، فَلْيَصُمْ ذلكَ اليوْمَ » متفقٌ عليه.
1233 – (الحديث الثاني)وعن ابنِ عباسٍ ، رضيَ اللَّه عنهما ، قال : قالَ رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « لا تَصُومُوا قَبْلَ رَمَضَانَ ، صُومُوا لِرُؤْيتِهِ ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ ، فَإِنْ حالَتْ دُونَهُ غَيَايةٌ فأَكْمِلوا ثَلاثِينَ يوماً » رواه الترمذي وقال : حديث حسنٌ صحيحٌ .« الغَيايَة » بالغين المعجمة وبالياءِ المثناةِ من تحت المكررةِ ، وهِي : السَّحَابةُ .
1235 – (الحديث الرابع في هذا الباب ) وَعَنْ أَبي اليَقظَان عمارِ بنِ يَاسِرٍ رضيَ اللَّه عنْهما ، قال : « مَنْ صَامَ اليَومَ الَّذِي يُشكُّ فِيهِ فَقَدْ عَصَى أَبا القَاسِمِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم » رواه أبو داود ، والترمذي ، وقال : حديثٌ حسن صحيحٌ .
مسائل الباب :
1) زيادة في تخريج أحاديث الباب :
الحديث الأول : ” إذا بقى …” صححه الألباني في صحيح الترمذي وصحيح الجامع ، ومشهور بلفظ ” إذا انتصف شعبان ، فلا تصوموا حتى يكون رمضان ” من حديث العلاء .
الحديث الثالث : ” لا تصوموا قبل رمضان ” حديث ابن عباس ، صححه الألباني .
الحديث الرابع :” من صام اليوم الذي يُشك ..” ورواه البخاري معلقا ، ووصله الخمسة أهل السنن وأحمد وصححه ابن حبان والألباني .
2) قدمتُ وأخرتُ بين الأحاديث لأجل ترتيب المسائل ؛ وهذا كله رأي واجتهاد .
3) قال العلماء : معنى الحديث ” لا يتقدمن أحدكم رمضان …” لا تستقبلوا رمضان بصيام على نية الاحتياط لرمضان ، قال الترمذي : لما أخرج هذا الحديث : العمل على هذا عند أهل العلم كرهوا أن يتعجل الرجل بصيام قبل دخول رمضان لمعنى رمضان .
4) الحكمة من النهي عن التقدم بصيام يوم أو يومين ؟.
الصحيح أن الحكمة تعلق الحكم بالرؤية ، فمن تقدمه بيوم أو يومين فقد حاول الطعن في هذا الحكم ، وهذا هو المعتمد ، قاله ابن حجر في الفتح ، وذكر ابن حجر جمعاً بين الأحاديث : أن حديث العلاء ” إذا انتصف ” الذي هو حديث أبي هريرة رقم (1234) محمول على من يضعفه الصوم ، وحديث ” لا يتقدمن ” مخصوص بمن يحتاط بزعمه لرمضان . أ. هـ .
5) ما هو يوم الشك ؟.
هو يوم الثلاثين من شعبان يقال عنه أنه يوم الشك عندما لا تكون السماء صحواً ، فهذا هو يوم الشك ، لأن مع وجود الصحو فلا يسمى شكاً لعدم ما يمنع من رؤية الهلال .
6)حكم صيام يوم الشك ؟
القول الراجح ، لا يثبت دخول الشهر إذا كانت السماء غائمة ليلة الثلاثين من شعبان ، بل يحرم صومه ، لأنه يوم الشك الذي نهى عن صومه لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – مرفوعاً ” … فإن غُم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً ” .
هذا والله أعلم .
-220- باب ما يُقَالُ عِنْدَ رُؤْيَةِ الهِلالِ
1236 – عَنْ طَلْحَةَ بنِ عُبْيدِ اللَّهِ رضِيَ اللَّه عَنْهُ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم كانَ إِذا رَأَى الهِلالَ قَالَ: « اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ علَيْنَا بِالأَمْنِ والإِيمَانِ ، وَالسَّلامَةِ والإِسْلامِ ، رَبِّي ورَبُّكَ اللَّه ، هِلالُ رُشْدٍ وخَيْرٍ » رواه الترمذي وقال : حديثٌ حسنٌ ، وحسنه الألباني في صحيح الجامع .
1229 -¬ (الحديث السابع في باب وجوب صوم رمضان )وعنهُ – أبي هريرة -أَنَّ رسولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قالَ : « صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤيَتِهِ ، فإِن غمي عَليكم ، فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبانَ ثَلاثينَ » متفقٌ عليه ، وهذا لفظ البخاري ، وفي روايةِ مسلم : « فَإِن غُمَّ عَليكم فَصُوموا ثَلاثِينَ يَوْماً » .
مسائل الباب :
1) قوله ” إذا رأى ..” هل هذه السنة مشروعة لمن سمع بخبر الرؤية ؛ وإن لم يشاهد الهلال ، أم أنها خاصة لمن رأى الهلال فقط ، ظاهر الحديث أن ذلك خاص بمن رأى فقط – ابن عثيمين .
2) الظاهر أنه لو اكتمل الشهر لا يقال هذا الدعاء ؛ فالسنة مشروعة بالرؤية للهلال في إهلاله ؛ فما عٌلق بزمان وحال شرع فيه .
3) هذا الدعاء مشروع في رؤية هلال كل شهر .
4) رفع اليدين واستقبال الهلال أو الإشارة إليه غير مشروعة .
5) تعليق الصيام والفطر بالرؤية .
قال البخاري : باب قول النبي صلى الله عليه وسلم : ” إذا رأيتم الهلال فصوموا ، وإذا رأيتموه فأفطروا ” ، ولمسلم :” فإن أُغمي عليكم فاقدروا له ثلاثين ” ، وللبخاري : ” فإن غُمَّ عليكم فأكملوا العدة ثلاثين ” ، وله من حديث أبي هريرة : ” فإن غُبي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين “. قال الليث : حدثني عقيل ويونس :” لهلال رمضان ” الفتح ( 4/135 ) ، وعنه – رضي الله عنه – عند أبي داود وابن حبان والحاكم وصححه قال : تراءى الناس الهلال ، فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيته ، فصام ، وأمر الناس بصيامه ، وصححه الألباني .
6) قال البسام : وإن اتفقت المطالع ، فحكمهم واحد في الصيام والإفطار ، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى . أ.هـ ، وقيل : اتحدت أو اختلفت اختلافاً غير مؤثر فالحكم واحد ، وإن اختلفت اختلافاً مؤثراً في إمكان سبق الشمس للهلال ، فإن البلد الغربي يتبع الشرقي من غير عكس .
7) هل الحساب الفلكي معتبر في دخول الشهر .
في أحاديث الباب دليل على أنه لا يعتمد على قول أهل الحساب في دخول الشهر ؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله سلم علق الحكم بالرؤية لا بالحساب ، وهذا ما عليه فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في السعودية .
هذا والله أعلم
221- باب فَضْلِ السُّحورِ وتأخيرِهِ ما لم يَخْشَ طُلُوع الفَجْرِ
1237 – عنْ أَنسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قال : قال رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « تَسَحَّرُوا فَإِنَّ في السُّحُورِ بَركَةً » متفقٌ عليه .
1238 – وعن زيدِ بن ثابتٍ رَضيَ اللَّه عَنْهُ قال : تَسحَّرْنَا مَعَ رسولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، ثُمَّ قُمْنَا إِلى الصَّلاةِ . قِيلَ : كَمْ كانَ بَيْنَهُمَا ؟ قال : قَدْرُ خَمْسونَ آيةً . متفقٌ عليه .
1239 – وَعَنِ ابنِ عُمَرَ رَضيَ اللَّه عَنْهُمَا ، قالَ : كانَ لرسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مُؤَذِّنَانِ : بلالٌ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ . فَقَالَ رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « إِنَّ بلالاً يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ » قَالَ : وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إِلاَّ أَنْ يَنْزِلَ هذا وَيَرْقَى هذا ، متفقٌ عليه .
1240 – وعَنْ عمْرو بنِ العاصِ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّ رسول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قالَ : « فَضْلُ ما بيْنَ صِيَامِنَا وَصِيامِ أَهْل الكتاب أَكْلَةُ السَّحَرِ » . رواه مسلم .
مسائل الباب :
1) قال ابن قاسم في الإحكام شرح أصول الأحكام : أجمع العلماء على أن تأخير السحور سنة متبعة .
2) متى يقال أن هذا تأخير للسحور ..؟!
سئل زيد : كم بين الأذان والسحور ؟ قال : قدر خمسين آية ، وفي حديث عائشة وابن عمر رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” إن بلالاً يؤذن بليل ، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم ” . وفي رواية : ” فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر ” رواه البخاري ومسلم والنسائي ومالك . وفي رواية لهما : ” ولم يكن بينهما إلا أن ينـزل هذا ويصعد هذا أو يرقى هذا ” ، قال ابن حجر ” قدر خمسين آية “أي متوسطة لا طويلة ولا قصيرة ، لا قراءة سريعة ولا بطيئة .
3) بما يحصل به السحور ؟
يحصل بأقل ما يتناوله المرء من مأكول أو مشروب ، وقد أخرج أحمد من حديث أبي سعيد بلفظ : ” السحور بركة فلا تدعوه ، ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء ، فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين ” قال محققو المسند : حديث صحيح ، وصححه الألباني في صحيح الجامع بلفظ ” السحور أكله بركة “، ولسعيد بن منصور من طريق أخرى مرسلة : ” تسحروا، ولو بلقمة” وجاء عند أبي داود من حديث أبي هريرة : ” نعم سحور المؤمن التمر ” وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
4) حكم الأكل والشرب أثناء الأذان .
عند أبي داود عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” إذا سمع أحدكم النداء ، والإناء على يده ، فلا يدعه ” . وفي رواية : ” فلا يضعه حتى يقضي حاجته” وإسناده صحيح ، وهي رواية أحمد في المسند ، والطبري في التفسير ، والحاكم وصححه ، وصححه الألباني ، ويقول ابن باز : أما إذا كان الأذان بالظن والتحري حسب التقاويم فإنه لا حرج في الشرب أو الأكل وقت الأذان ، وقال والأحوط للمؤمن والمؤمنة الحرص على إنهاء السحور قبل الفجر عملا بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم “دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ” ، ويقول ابن عثيمين : وأما إذا كان يؤذن عند طلوع الفجر ظناً لا يقيناً كما هو الواقع في هذه الأيام فإنه له أن يأكل ويشرب إلى أن ينتهي المؤذن من الأذان .
5) ما سبب الحث على تأخير السحور ؟
أ- المخالفة لأهل الكتاب فيه ، فقد جاء في مسلم عن عمرو بن العاص : ” فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر ” ورواه الترمذي وأبو داود والنسائي ، وصححه الألباني في صحيح أبي داود ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم العلة في التعجيل مخالفة أهل الكتاب في التأخير ، فأكلة السحور شرعت مفاصلة عن أفعال أهل الكتاب كما في هذا الحديث .
ب- السحور بركة ، من بركته متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فعن عبد الله بن الحارث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتسحر ، فقال : ” إنها بركة أعطاكم الله إياها فلا تدعوه ” أخرجه النسائي ، وصححه الألباني في صحيح النسائي ، وجاء أيضاً أن أكلة السحر تسمى الغداء المبارك عند أبي داود والنسائي عن العرباض بن سارية وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
هذا والله أعلم.
222- باب فَضْل تَعْجِيل الفِطْرِ وما يُفْطَرُ عَليهِ وما يَقُولُهُ بَعْدَ إْفطَاره
1241 – عَنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ رضِيَ اللَّه عَنْهُ ، أَنَّ رسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ : « لا يَزالُ النَّاسُ بخَيْرٍ مَا عَجلوا الفِطْرَ » متفقٌ عليه .
وأما لفظة ” وأخروا السحور ” فهي رواية قد انفرد بها الإمام أحمد في المسند من حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه ” لا تزال أمتي بخير ما أخروا السحور وعجلوا الفطر “، وإسناده ضعيف . قاله محقق عمدة الأحكام ( 138 ) ، حديث أبي ذر منكر بهذا التمام كما قاله الألباني – الإرواء ( 1/33 ) ح ( 917 ) .
1242 – وعن أَبي عَطِيَّةَ قَالَ : دخَلتُ أَنَا ومسْرُوقٌ على عائشَةَ رَضِيَ اللَّه عَنْهَا فقَالَ لهَا مَسْرُوقٌ : رَجُلانِ منْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم كلاَهُمَا لا يَأْلُو عَنِ الخَيْرِ : أَحَدُهُمَا يُعَجِّلُ المغْربَ والإِفْطَارَ ، والآخَرُ يُؤَخِّرُ المغْرِبَ والإِفْطَارَ ؟ فَقَالَتْ : مَنْ يُعَجِّلُ المَغْربَ وَالإِفْطَارَ ؟ قالَ : عَبْدُ اللَّه ¬ يعني ابنَ مَسْعودٍ ¬ فَقَالَتْ : هكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، يصْنَعُ . رواه مسلم ، قوله : « لا يَأْلُوا » أَيْ لا يُقَصِّرُ في الخَيْرِ .
1243 – وَعَنْ أَبي هُريرَةَ رَضِيَ اللَّه عنْهُ قالَ : قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، قال اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: ” أَحَبُّ عِبَادِي إِليَّ أَعْجَلُهُمْ فِطْراً ” رواه الترمذي وقالَ : حَديثٌ حسنٌ .
وعنه رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” قال الله عز وجل : أحبُّ عبادي إليّ أعجلُهم فطراً ” رواه الترمذي وإسناده ضعيف ولكن له شواهد بمعناه يقوى بها [ جامع الأصول مع الحاشية ( 6/374-377)]، وقال الألباني في مقدمة تحقيق الرياض : في هذا التحسين نظر ؛ لأن مدار إسناده على قرة بن عبدالرحمن وهو ضعيف لسوء حفظه ، وقد بسطت أقوال العلماء في جرحه في الحديث الثاني من الإرواء .
1244 – وَعنْ عُمر بنِ الخَطَّابِ رَضِي اللَّه عَنْهُ ، قالَ : قال رَسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « إِذا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ ههُنَا وأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ ههُنا ، وغَرَبتِ الشَّمسُ ، فَقَدْ أَفْطَرَ الصائمُ » متفقٌ عليه .
1245 – وَعَنْ أَبي إِبراهيمَ عبدِ اللَّهِ بنِ أَبي أَوْفى رَضِي اللَّه عنْهُمَا ، قالَ : سِرْنَا مَعَ رسولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، وَهُوَ صائمٌ ، فَلَمَّا غَرَبتِ الشَّمسُ ، قالَ لِبْعضِ الْقَوْمِ : « يَا فُلانُ انْزلْ فَاجْدحْ لَنا ، فَقَال : يا رَسُول اللَّهِ لَوْ أَمْسَيتَ ؟ قالَ : « انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا » قالَ : إِنَّ علَيْكَ نَهَاراً ، قال : « انْزلْ فَاجْدَحْ لَنَا » قَالَ : فَنَزَلَ فَجَدَحَ لَهُمْ فَشَرِبَ رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، ثُمَّ قالَ: « إِذا رَأَيْتُمُ اللَّيْلَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ ههُنَا ، فَقَدْ أَفْطَرَ الصَائمُ » وأَشارَ بِيَدِهِ قِبَلَ المَشْرِقِ . متفقٌ عليه ، قوله : « اجْدَحْ » بجيم ثُمَّ دال ثم حاء مهملتين ، أَي : اخْلِطِ السَّوِيقَ بالماءِ .
التعليق على أحاديث كتاب الصيام من كتاب رياض الصالحين
عبدالله بن محمد الحسين أباالخيل
بسم الله الرحمن الرحيم
قال المؤلف : 217- باب وجوب صوم رمضان وبَيان فضل الصّيام وما يتعلق به ، قال اللَّه تعالى: { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم } إلى قوله تعالى: { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدىً للناس وبينات من الهدى والفرقان، فمن شهد منكم الشهر فليصمه، ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر } الآية. وأما الأحاديث فقد تقدمت في الباب الذي قبله .
1223 – وَعنْ أَبي هُريرة رضِي اللَّه عنْهُ ، قال : قال رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « قال اللَّه عَزَّ وجلَّ : كُلُّ عملِ ابْنِ آدم لهُ إِلاَّ الصِّيام ، فَإِنَّهُ لي وأَنَا أَجْزِي بِهِ ، والصِّيام جُنَّةٌ فَإِذا كَانَ يوْمُ صوْمِ أَحدِكُمْ فلا يرْفُثْ ولا يَصْخَبْ ، فَإِنْ سابَّهُ أَحدٌ أَوْ قاتَلَهُ ، فَلْيقُلْ : إِنِّي صَائمٌ ، والَّذِي نَفْس محَمَّدٍ بِيدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائمِ أَطْيبُ عِنْد اللَّهِ مِنْ رِيحِ المِسْكِ ، للصَّائمِ فَرْحَتَانِ يفْرحُهُما : إِذا أَفْطرَ فَرِحَ بفِطْرِهِ ، وإذَا لَقي ربَّهُ فرِح بِصوْمِهِ » متفقٌ عليه ، وهذا لفظ روايةِ الْبُخَارِي ، وفي رواية له : « يتْرُكُ طَعامَهُ ، وَشَرابَهُ ، وشَهْوتَهُ ، مِنْ أَجْلي ، الصِّيامُ لي وأَنا أَجْزِي بِهِ ، والحسنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا » ، وفي رواية لمسلم : « كُلُّ عَملِ ابنِ آدَمَ يُضَاعفُ الحسَنَةُ بِعشْر أَمْثَالِهَا إِلى سَبْعِمِائة ضِعْفٍ ، قال اللَّه تعالى : « إِلاَّ الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وأَنا أَجْزي بِهِ : يدعُ شَهْوتَهُ وَطَعامَهُ مِنْ أَجْلي ، لِلصَّائم فَرْحتَانِ : فرحة عند فطره ، فَرْحةٌ عِنْدَ لقَاء رَبِّهِ ، ولَخُلُوفُ فيهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ ريحِ المِسْكِ » .
1224 – وعنهُ -أبي هريرة – أَنَّ رسولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قالَ : « مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَين في سَبِيلِ اللَّهِ نُودِيَ مِنْ أَبْواب الجَنَّةِ : يَا عَبْدَ اللَّهِ هذا خَيْرٌ ، فَمَنْ كَان مِنْ أَهْلِ الصَلاةِ دُعِي منْ باب الصَّلاةِ ، ومَنْ كانَ مِنْ أَهْلِ الجِهَادِ دُعِي مِنْ باب الجِهَادِ ، ومَنْ كَانَ مِنْ أَهْل الصِّيامِ دُعِيَ مِنْ باب الرَّيَّانِ ، ومنْ كَانَ مِنْ أَهْل الصَّدقَة دُعِي مِنْ باب الصَّدقَةِ » قال أبو بكرٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : بأَبي أَنت وأُمِّي يا رسولَ اللَّه ما عَلى مَنْ دُعِي مِنْ تِلكَ الأَبْوابِ مِنْ ضَرُورةٍ ، فهلْ يُدْعى أَحدٌ مِنْ تلك الأَبْوابِ كلِّها ؟ قال : « نَعَم وَأَرْجُو أَنْ تكُونَ مِنهم » متفقٌ عليه .
1225- وعن سهلِ بنِ سعدٍ رضي اللَّه عنهُ عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « إِنَّ فِي الجَنَّة باباً يُقَالُ لَهُ : الرَّيَّانُ ، يدْخُلُ مِنْهُ الصَّائمونَ يومَ القِيامةِ ، لا يدخلُ مِنْه أَحدٌ غَيرهُم ، يقالُ: أَينَ الصَّائمُونَ ؟ فَيقومونَ لا يدخلُ مِنهُ أَحَدٌ غيرهم ، فإِذا دَخَلوا أُغلِقَ فَلَم يدخلْ مِنْهُ أَحَدٌ » متفقٌ عليه .
1226 – وعَنْ أَبي سَعيدٍ الخُدْريِّ رَضيَ اللَّه عنهُ قال : قالَ رسولُ اللَّهِ : « مَا مِنْ عبْدٍ يصُومُ يَوماً في سبِيلِ اللَّه إِلاَّ باعَدَ اللَّه بِذلك اليَومِ وجهَهُ عَن النَّارِ سبعينَ خرِيفاً » متفقٌ عليه .
1227 – وعنْ أَبي هُرَيرةَ رضيَ اللَّه عنهُ ، عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قالَ : « مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً واحْتِساباً ، غُفِرَ لَهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذنْبِهِ » متفقٌ عليه
– 1228 – وعنهُ رضيَ اللَّهُ عنهُ ، أَنَّ رسولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قالَ : « إِذا جَاءَ رَمَضَانُ ، فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجنَّةِ ، وغُلِّقَت أَبْوَابُ النَّارِ ، وصُفِّدتِ الشياطِينُ » متفقٌ عليه .
مسائل الباب :
1) لفتات وإشارات على آية فرض الصيام :
الأولى : صدرتْ الآية ب(يا أيها الذين آمنوا …) الآية . ذكر السعدي أن هذا النداء يوحي بأمرين :
الأمر الأول : دعوة لهم أن يتمموا إيمانهم ويكملوه بالشرائع الظاهرة والباطنة . الأمر الثاني : دعوة لهم إلى شكر نعمة الإيمان ببيان تفصيل هذا الشكر وهو الانقياد التام لأمره ونهيه .
الأمر الثاني : في قوله ( كما كتب على الذين . ) الآية ، التكليف شاق على النفس فتحتاج إلى عون ودفع لها لتنهض به وتستجيب له ، فراعى الشرع هذا الجانب ، وبين أن الصيام مفروض على من سبق فهي ليست الوحيدة التي قامت بهذا الأمر فالطريق مسلوكة ، وهي دعوة للتنافس مع من سبق ، وهم ليسوا بأفضل منكم .
الثانية : في قوله (أيام معدودات ..) الآية ، فهي أيام قليلة تصام تباعاً وتنقضي سراعاً وليست كل العمر ؛ وهذا توجيه وتسلية وتعليل من أجل ترويض النفوس لقبول تلك العبادة .
الثالثة : في قوله ( لعلكم تتقون …) الآية ، شرع الصيام لأجل تحقيق التقوى في النفوس لا لإتعاب النفس والمشقة عليها ؛ فهو يدرب على مراقبة المولى وهو معين على الاستكثار من العبادات لخلو الجوف من الطعام .
2) قوله صلى الله عليه وآله وسلم ” لخلوف فم الصائم أطيب عند الله ..” ” يوم القيامة ” كما في رواية مسلم ، وهذا هو ظهور أثر العبادة ، وهذا شعار المؤمنين يوم القيامة في الوضوء التحجيل ، وفي الفم رائحة الطيب كما قال ابن حبان .
3) سبب إضافة الصيام إلى الله عز وجل . من أجمل ما قيل في ذلك أن الصوم بعيد من الرياء لخفائه بخلاف الصلاة ونحوها ، ولكونه ليس للصائم ونفسه حظ فيه .
4) قوله سبحانه وتعالى “وأنا أجزى به ” فكل عمل يضاعف إلى أضعاف كثيرة إلا الصيام فلا حصر لتضعيفه كما قال الأوزاعي ” ليس يوزن لهم ولا يكال ، وإنما يغرف لهم غرفا ” على قوله تعالى (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) وقد جاء تسمية شهر الصيام بشهر الصبر كما في حديث عند أحمد والنسائي .
5) المراد ب ” زوجين ” أي أنفق شيئين من أي صنف من أصناف المال ، والمراد ” في سبيل الله ” عند الإطلاق يراد به الجهاد ، فقد ذكر ابن حجر في الفتح أنه يأتي على معنى الجهاد فعن أبي هريرة ” ما من مرابط يرابط في سبيل الله فيصوم يوماً في سبيل الله ” ، وجاء في معنى طاعة الله تعالى ” …يوماً في سبيل الله ابتغاء وجه الله عز وجل ” ، والبخاري ساق في كتاب الجهاد ” باب فضل الصوم في سبيل الله ” ، وبوب باباً آخر في هذا الكتاب – الجهاد – : باب فضل النفقة في سبيل الله ، وقد يدل على هذا الوجه حديث القرآن في سورة البقرة عن النفقة قال تعالى (الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله …) الآية .
6) قال العلماء الصيام في الجهاد أفضل فيمن لا يضعفه ولا يتضرر به لاجتماع فضيلتان ، وقد جاء ما يفيد أن ذلك في صيام التطوع كما في مسند أبي يعلي ” من صام يوماً في سبيل الله متطوعاً في غير رمضان ” وضعفه الألباني .
7) أبواب الجنة ثمانية كما جاء ذلك في الصحيحين ، وأبواب جهنم سبعة كما في سورة الحجر ، وجاء تسمية أربعة أبواب للجنة في هذا الحديث ، قال ابن حجر : وبقي من الأركان الحج فله باب بلا شك ، وأما الثلاثة فمنها باب الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس كما عند أحمد عن الحسن مرسلا ، …، والباب الأيمن باب المتوكلين كما في صحيح البخاري في تفسير سورة الإسراء باب (ذرية من حملنا مع نوح …) ، وأما الباب الثالث فلعله باب الذكر ، فعند الترمذي ما يؤمي إليه ، ويحتمل أن يكون باب العلم ، ونقل النووي عن القاضي عياض في شرح مسلم في أبواب الجنة ؛ باب التوبة وباب الكاظمين وباب الراضين .
8) قول أبو بكر ” ما على من دعى من تلك الأبواب ” سعى أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأراد أعلى وأكمل المطالب وهو أن يدعى منها كلها لا من واحد فقط ، وقد جاء ما يدل على دعاءه من جميع الأبواب الثمانية فعند ابن حبان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ” أجل –أي نعم – هناك من يدعى منها كلها ، وأنت هو يا أبا بكر ” ، ومن اجتمعت فيه تلك الخلال دعي من جميع الأبواب على سبيل التكريم له ، وإلا فدخوله إنما يكون من باب واحد ، ولعله يدخل من باب العمل الذي يكون أغلب عليه فهو أفضل في حقه ، فيختاره لا مجبوراً ولا ممنوعا من الدخول من غيره ، فإذا أكثر المرء من عمل تطوعاً فوق ما وجب حتى عرف به دعي من بابه في الجنة ، وقال ابن حجر : على قوله “ما على من دعي …” من أكثر من شيء عرف به ، وعند أحمد ” لكل أهل عمل باب يدعون من بذلك العمل ؛ فلأهل الصيام باب يدعون …” ، وأقل الإكثار في الصيام فيما يظهر والله أعلم صيام ثلاثة أيام من كل شهر فقد جاء في الصحيحين من حديث ابن عمرو ” صم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله ” وتفسير ذلك ما جاء عند النسائي والترمذي من حديث أبي هريرة وأبي ذر ” من صام من كل شهر ثلاثة أيام فذلك صيام الدهر ، فأنزل الله تصديق ذلك في كتابه ( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها …) اليوم بعشرة أيام ..” الحديث ، وصححه الألباني ، وأبو بكر رضي الله عنه سبق إلى الخير قبل أن يدعى إليه ففي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :” قال يوماً :من أصبح منكم اليوم صائماً ؟ قال أبو بكر الصديق : أنا ، قال فمن اتبع منكم جنازة ؟ قال أبو بكر : أنا ، قال : من أطعم منكم اليوم مسكيناً ؟ قال أبو بكر : أنا ، قال : فمن عاد منكم اليوم مريضاً ، قال أبو بكر ك أنا ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ” ما اجتمعن في رجل في يوم إلا دخل الجنة ” وآية سورة المؤمنون تصوره أجمل تصوير قال تعالى ( أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون …) .
9) تسمية باب الصائمين بالريان لأنه مشتق من الري وهو مناسب لحال الصائم ، والري أولى من الشبع لكون العطش أشق على الصائم من الجوع ، وجاء عند الترمذي ” من دخله لم يظمأ أبداً ” وصححه الألباني .
10) ساق البخاري هذا الحديث في “من صام رمضان ..”عدة مواضيع من صحيحه ومنها في كتاب الصوم باب من صام رمضان إيماناً واحتساباً ونية ، ولهذا فالمغفرة الموعودة هنا مشروطة بشروط :
1- أن يصوم إيماناً بالله ورسوله وتصديقاً بفرضية الصيام وما أعده الله تعالى للصائمين من جزيل الأجر .
2-أن يصوم احتساباً إلى طلباً للأجر والثواب بمعنى مخلصاً في عمله لا رياء ولا تقليداً ولا تجلداً ، ويصوم بطيب نفس غير كاره له ولا مستقلا لأيامه .
3- أن يجتنب كبائر الذنوب ، ودليله ” الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر ” رواه مسلم .
11) هل المغفرة لكل الذنوب أم مخصوصة بالصغائر فقط ، قال النووي : المعروف أنه يختص بالصغائر ، وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم : والصحيح قول الجمهور أن الكبائر لا تكفر بدون توبة ، وقال : ولو كانت الكبائر تقع مكفرة بالوضوء والصلاة …لم يحتج إلى التوبة ، وهذا باطل بالإجماع .
12) في حديث ” صفدتْ ..” الشياطين لا يخلصون إلى افتنان المسلمين إلى ما يخلصون إليه في غيره لاشتغالهم بالصيام الذي فيه قمع للشهوات ، والشياطين إنما يخلصون إلى من لا يصوم أو يصوم عن الحلال ويقع في الحرام ، والمصفد من الشياطين هم المردة كما جاء في الروايات ” تغل فيه مردة الشياطين ” وفي رواية “مردة الجن ” ، فالمقصود تقليل الشرور فيه ، وهذا أمر محسوس فإن وقوع ذلك فيه أقل من غيره ؛ ولا يلزم من تصفيد جميعهم أن لا يقع شر ولا معصية لأن لذلك أسباباً غير الشياطين كالنفوس الخبيثة والعادات القبيحة والشياطين الإنسية .
13) من فضائل شهر رمضان ما جاء عند الإمام أحمد والنسائي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ” أتاكم رمضان ، شهر مبارك ، فرض الله عز وجل عليكم صيامه، فيه تفتح أبواب السماء ، وتغلق فيه أبواب الجحيم ، وتغل فيه مردة الشياطين ، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم ” صححه الألباني في صحيح النسائي ، وعند الترمذي وابن ماجه ” وفتحت أبواب الجنة ولم يغلق منها باب ، وينادي مناد : يا باغي الخير أقبل ، ويا باغي الشر أقصر ، ولله عتقاء من النار ، وذلك في كل ليلة ” وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
14) ومن فضائله ما جاء عند الطبراني عن عبادة مرفوعاً : ” أتاكم رمضان ، شهر بركة يغشاكم الله فيه ، فتنزل الرحمة ، وتحط الخطايا ، ويستجيب فيه الدعاء ، ينظر الله إلى تنافسكم فيه ، ويباهي بكم ملائكته ؛ فأروا الله من أنفسكم خيرا ” رواه المنذري في الترغيب والترهيب ، وضعفه الألباني ، وذكره ابن رجب في اللطائف .
قال المؤلف : 218- باب الجود وفعل المعروف والإكثار من الخير في شهر رمضان والزيادة من ذلك في العشر الأواخر منه .
1230 – وعن ابنِ عباسٍ رضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ، أَجْوَدَ النَّاسِ ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ في رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ ، وَكَانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ في كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ ، فَلَرَسُولُ اللهِ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ، حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ » متفقٌ عليه .
1231- وعَنْ عائشة رَضَيَ اللَّه عَنْهَا قَالَتْ : كَانَ رسُول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « إِذا دَخَلَ العَشْرُ الأَوَاخِرُ مِنْ رمَضَانَ ، أَحْيا اللَّيْلَ ، وَأَيْقَظَ أَهْلَه ، وَشَدَّ المِئزرَ » متفقٌ عليه .
مسائل الباب :
1) تعليقات :
1- من المناسب تقديم حديث رقم (1202) من أحاديث باب -214- فضل قيام ليلة القدر . هنا في هذا الباب ، وهو : وَعَنْ عائشة قَالَتْ :كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَجْتَهِدُ فِي رَمضانَ مَالا يَجْتَهِدُ في غَيْرِهِ ، وفي العَشْرِ الأَوَاخِرِ منْه ، مَالا يَجْتَهدُ في غَيْرِهِ » رواهُ مسلمٌ ، خاصة بعد الحديث عن فضائل الشهر .
2- ساق المؤلف حديث رقم -1231- في هذا الباب مرة آخرى في : 214- باب فضل قيام ليلة القدْر ..، ورقمه هناك (1201) ، ومن المناسب أن يكون الحديث عنه في باب فضل قيام ليلة القدر إن شاء الله تعالى ، وقال الألباني على هذا الحديث ” وَجَدَ ” هي لمسلم فقط ، وهي مذكورة في باب فضل قيام الليل ، ولم تذكر هنا في هذا الباب .
2) قال ابن القيم : وكان من هديه صلى الله عليه وآله وسلم في شهر رمضان الإكثار من أنواع العبادات ….، يكثر فيه من الصدقة والإحسان وتلاوة القرآن والصلاة والذكر والاعتكاف ، وكان يخص رمضان من العبادة بما لا يخص غيره به من الشهور .
3) مدارسة القرآن في رمضان :
1- القرآن أنزل في رمضان (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن …) الآية .
2- القرآن أنزل للتدبر قال تعالى ( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته …) لا لمجرد القراءة ، وإن كان في مجرد التلاوة أجر ، وقد ذم الله سبحانه وتعالى الذين لا يعلمون منه إلا مجرد التلاوة . فقال تعالى (ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني …) والأماني هي مجرد التلاوة ، قال الحسن البصري : نزل القرآن ليتدبر ويعمل به فاتخذوا تلاوته عملا ، وقال الحسن بن علي رضي الله عنهما : أن من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم ؛ فكانوا يتدبرونها بالليل ، ويتفقدونها في النهار ، وقال ابن الجوزي : التدبر هو المقصود من القراءة ، وقال ابن القيم : فلا شيء أنفع للقلب من قراءة القرآن بالتدبر ، وقال : فلو علم الناس ما في قراءة القرآن بالتدبر لاشتغلوا بها عن كل ما سواها ، وقال ابن تيمية : من تدبر القرآن طالباً الهدى منه تبين له طريق الحق .
3- أفضل أوقات القراءة : قال النووي : وأما القراءة في غير الصلاة فأفضلها قراءة الليل ، وأما قراءة النهار فأفضلها ما كان بعد صلاة الصباح ، ومن الشهور رمضان ، وقال ابن حجر : المقصود من التلاوة الحضور والفهم ؛ ولأن الليل مظنة ذلك لما في النهار من الشواغل والعوارض الدنيوية والدينية .
4- قال ابن رجب : وإنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على المداومة على ذلك ، فأما الأوقات المفضلة كشهر رمضان وخصوصاً الليالي التي تطلب فيها ليلة القدر أو الأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها فيستحب الإكثار من تلاوة القرآن اغتناماً لفضيلة الزمان والمكان .
5- كيف كان السلف يحزبون قراءة القرآن ..؟!
كان بالسور لا بالأجزاء كما قال ابن تيمية ، فقد جاء عن أوس بن حذيفة رضي الله عنه قال : سألت أصحاب النبي صلى الله عليه آله وسلم كيف تحزبون القرآن ..؟! قالوا : ” ثلاث ، وخمس ، وسبع ، وتسع ، وإحدى عشر ، وثلاث عشر ، وحزب المفصل وحده ” رواه أبو داود وأحمد وابن ماجه ، وضعفه الألباني ، واحتج به ابن تيمية في كيف التحزيب ، والطريقة كالتالي : اليوم الأول : من الفاتحة إلى نهاية سورة النساء، واليوم الثاني : من المائدة إلى نهاية التوبة ، واليوم الثالث : من يونس إلى نهاية الكهف ، والرابع : من سورة مريم إلى نهاية الفرقان ، والخامس : من الشعراء إلى نهاية يس ، والسادس : من الصافات إلى نهاية الحجرات ، والسابع : من ق إلى نهاية القرآن .
6- محفزات على قراءة القرآن الكريم :
1/ الحسنة بعشر أمثالها لحديث ابن مسعود رضي الله عنه ” من قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنة ، والحسنة بعشر أمثالها ، لا أقول : آلم حرف ، بل : ألف حرف ولام حرف وميم حرف ” رواه الترمذي ، وصححه الألباني .
2/ أنه مهما تكررت قراءة القرآن من حافظ له وغيره فالحسنات تكتب للقاري بمجرد القراءة ولو كرر الآية مرات ، ولا يشعر القاري بالملل في قراءته بخلاف الكتب ونحوها ، فعن علي رضي الله عنه سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « أَلاَ إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ ». فَقُلْتُ مَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ ، وفيه « …. وَلاَ يَخْلَقُ عَلَى كَثْرَةِ الرَّدِّ …. » ذكر ابن كثير في الفضائل أنه من كلام علي رضي الله عنه ، وجاء شاهد عن ابن مسعود من قوله في المسند .
والله أعلم .
قال المؤلف : 219 – باب النَّهْي عن تقدّم رمضانَ بصوم بعد نصف شعبان إلاَّ لمن وصله بما قبله ، أو وافق عادةً له بأن كان عادته صوم الاثنين والخميس فوافقه .
1234- (الحديث الثالث في هذا الباب)وعنْ أَبي هُريْرَةَ رضِيَ اللَّه عَنْهُ قال : قالَ رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « إِذا بَقِيَ نِصْفٌ مِنْ شَعْبانَ فَلا تَصُومُوا » رواه الترمذي وقال : حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ .
1232 -(الحديث الأول) عن أَبي هُريرة رضيَ اللَّه عَنْهُ ، عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « لا يتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكمْ رَمَضَانَ بِصَومِ يومٍ أَوْ يومَيْنِ ، إِلاَّ أَن يَكونَ رَجُلٌ كَانَ يصُومُ صَوْمَهُ ، فَلْيَصُمْ ذلكَ اليوْمَ » متفقٌ عليه.
1233 – (الحديث الثاني)وعن ابنِ عباسٍ ، رضيَ اللَّه عنهما ، قال : قالَ رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « لا تَصُومُوا قَبْلَ رَمَضَانَ ، صُومُوا لِرُؤْيتِهِ ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ ، فَإِنْ حالَتْ دُونَهُ غَيَايةٌ فأَكْمِلوا ثَلاثِينَ يوماً » رواه الترمذي وقال : حديث حسنٌ صحيحٌ .« الغَيايَة » بالغين المعجمة وبالياءِ المثناةِ من تحت المكررةِ ، وهِي : السَّحَابةُ .
1235 – (الحديث الرابع في هذا الباب ) وَعَنْ أَبي اليَقظَان عمارِ بنِ يَاسِرٍ رضيَ اللَّه عنْهما ، قال : « مَنْ صَامَ اليَومَ الَّذِي يُشكُّ فِيهِ فَقَدْ عَصَى أَبا القَاسِمِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم » رواه أبو داود ، والترمذي ، وقال : حديثٌ حسن صحيحٌ .
مسائل الباب :
1) زيادة في تخريج أحاديث الباب :
الحديث الأول : ” إذا بقى …” صححه الألباني في صحيح الترمذي وصحيح الجامع ، ومشهور بلفظ ” إذا انتصف شعبان ، فلا تصوموا حتى يكون رمضان ” من حديث العلاء .
الحديث الثالث : ” لا تصوموا قبل رمضان ” حديث ابن عباس ، صححه الألباني .
الحديث الرابع :” من صام اليوم الذي يُشك ..” ورواه البخاري معلقا ، ووصله الخمسة أهل السنن وأحمد وصححه ابن حبان والألباني .
2) قدمتُ وأخرتُ بين الأحاديث لأجل ترتيب المسائل ؛ وهذا كله رأي واجتهاد .
3) قال العلماء : معنى الحديث ” لا يتقدمن أحدكم رمضان …” لا تستقبلوا رمضان بصيام على نية الاحتياط لرمضان ، قال الترمذي : لما أخرج هذا الحديث : العمل على هذا عند أهل العلم كرهوا أن يتعجل الرجل بصيام قبل دخول رمضان لمعنى رمضان .
4) الحكمة من النهي عن التقدم بصيام يوم أو يومين ؟.
الصحيح أن الحكمة تعلق الحكم بالرؤية ، فمن تقدمه بيوم أو يومين فقد حاول الطعن في هذا الحكم ، وهذا هو المعتمد ، قاله ابن حجر في الفتح ، وذكر ابن حجر جمعاً بين الأحاديث : أن حديث العلاء ” إذا انتصف ” الذي هو حديث أبي هريرة رقم (1234) محمول على من يضعفه الصوم ، وحديث ” لا يتقدمن ” مخصوص بمن يحتاط بزعمه لرمضان . أ. هـ .
5) ما هو يوم الشك ؟.
هو يوم الثلاثين من شعبان يقال عنه أنه يوم الشك عندما لا تكون السماء صحواً ، فهذا هو يوم الشك ، لأن مع وجود الصحو فلا يسمى شكاً لعدم ما يمنع من رؤية الهلال .
6)حكم صيام يوم الشك ؟
القول الراجح ، لا يثبت دخول الشهر إذا كانت السماء غائمة ليلة الثلاثين من شعبان ، بل يحرم صومه ، لأنه يوم الشك الذي نهى عن صومه لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – مرفوعاً ” … فإن غُم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً ” .
هذا والله أعلم .
-220- باب ما يُقَالُ عِنْدَ رُؤْيَةِ الهِلالِ
1236 – عَنْ طَلْحَةَ بنِ عُبْيدِ اللَّهِ رضِيَ اللَّه عَنْهُ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم كانَ إِذا رَأَى الهِلالَ قَالَ: « اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ علَيْنَا بِالأَمْنِ والإِيمَانِ ، وَالسَّلامَةِ والإِسْلامِ ، رَبِّي ورَبُّكَ اللَّه ، هِلالُ رُشْدٍ وخَيْرٍ » رواه الترمذي وقال : حديثٌ حسنٌ ، وحسنه الألباني في صحيح الجامع .
1229 -¬ (الحديث السابع في باب وجوب صوم رمضان )وعنهُ – أبي هريرة -أَنَّ رسولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قالَ : « صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤيَتِهِ ، فإِن غمي عَليكم ، فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبانَ ثَلاثينَ » متفقٌ عليه ، وهذا لفظ البخاري ، وفي روايةِ مسلم : « فَإِن غُمَّ عَليكم فَصُوموا ثَلاثِينَ يَوْماً » .
مسائل الباب :
1) قوله ” إذا رأى ..” هل هذه السنة مشروعة لمن سمع بخبر الرؤية ؛ وإن لم يشاهد الهلال ، أم أنها خاصة لمن رأى الهلال فقط ، ظاهر الحديث أن ذلك خاص بمن رأى فقط – ابن عثيمين .
2) الظاهر أنه لو اكتمل الشهر لا يقال هذا الدعاء ؛ فالسنة مشروعة بالرؤية للهلال في إهلاله ؛ فما عٌلق بزمان وحال شرع فيه .
3) هذا الدعاء مشروع في رؤية هلال كل شهر .
4) رفع اليدين واستقبال الهلال أو الإشارة إليه غير مشروعة .
5) تعليق الصيام والفطر بالرؤية .
قال البخاري : باب قول النبي صلى الله عليه وسلم : ” إذا رأيتم الهلال فصوموا ، وإذا رأيتموه فأفطروا ” ، ولمسلم :” فإن أُغمي عليكم فاقدروا له ثلاثين ” ، وللبخاري : ” فإن غُمَّ عليكم فأكملوا العدة ثلاثين ” ، وله من حديث أبي هريرة : ” فإن غُبي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين “. قال الليث : حدثني عقيل ويونس :” لهلال رمضان ” الفتح ( 4/135 ) ، وعنه – رضي الله عنه – عند أبي داود وابن حبان والحاكم وصححه قال : تراءى الناس الهلال ، فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيته ، فصام ، وأمر الناس بصيامه ، وصححه الألباني .
6) قال البسام : وإن اتفقت المطالع ، فحكمهم واحد في الصيام والإفطار ، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى . أ.هـ ، وقيل : اتحدت أو اختلفت اختلافاً غير مؤثر فالحكم واحد ، وإن اختلفت اختلافاً مؤثراً في إمكان سبق الشمس للهلال ، فإن البلد الغربي يتبع الشرقي من غير عكس .
7) هل الحساب الفلكي معتبر في دخول الشهر .
في أحاديث الباب دليل على أنه لا يعتمد على قول أهل الحساب في دخول الشهر ؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله سلم علق الحكم بالرؤية لا بالحساب ، وهذا ما عليه فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في السعودية .
هذا والله أعلم
221- باب فَضْلِ السُّحورِ وتأخيرِهِ ما لم يَخْشَ طُلُوع الفَجْرِ
1237 – عنْ أَنسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قال : قال رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « تَسَحَّرُوا فَإِنَّ في السُّحُورِ بَركَةً » متفقٌ عليه .
1238 – وعن زيدِ بن ثابتٍ رَضيَ اللَّه عَنْهُ قال : تَسحَّرْنَا مَعَ رسولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، ثُمَّ قُمْنَا إِلى الصَّلاةِ . قِيلَ : كَمْ كانَ بَيْنَهُمَا ؟ قال : قَدْرُ خَمْسونَ آيةً . متفقٌ عليه .
1239 – وَعَنِ ابنِ عُمَرَ رَضيَ اللَّه عَنْهُمَا ، قالَ : كانَ لرسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مُؤَذِّنَانِ : بلالٌ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ . فَقَالَ رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « إِنَّ بلالاً يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ » قَالَ : وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إِلاَّ أَنْ يَنْزِلَ هذا وَيَرْقَى هذا ، متفقٌ عليه .
1240 – وعَنْ عمْرو بنِ العاصِ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّ رسول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قالَ : « فَضْلُ ما بيْنَ صِيَامِنَا وَصِيامِ أَهْل الكتاب أَكْلَةُ السَّحَرِ » . رواه مسلم .
مسائل الباب :
1) قال ابن قاسم في الإحكام شرح أصول الأحكام : أجمع العلماء على أن تأخير السحور سنة متبعة .
2) متى يقال أن هذا تأخير للسحور ..؟!
سئل زيد : كم بين الأذان والسحور ؟ قال : قدر خمسين آية ، وفي حديث عائشة وابن عمر رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” إن بلالاً يؤذن بليل ، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم ” . وفي رواية : ” فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر ” رواه البخاري ومسلم والنسائي ومالك . وفي رواية لهما : ” ولم يكن بينهما إلا أن ينـزل هذا ويصعد هذا أو يرقى هذا ” ، قال ابن حجر ” قدر خمسين آية “أي متوسطة لا طويلة ولا قصيرة ، لا قراءة سريعة ولا بطيئة .
3) بما يحصل به السحور ؟
يحصل بأقل ما يتناوله المرء من مأكول أو مشروب ، وقد أخرج أحمد من حديث أبي سعيد بلفظ : ” السحور بركة فلا تدعوه ، ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء ، فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين ” قال محققو المسند : حديث صحيح ، وصححه الألباني في صحيح الجامع بلفظ ” السحور أكله بركة “، ولسعيد بن منصور من طريق أخرى مرسلة : ” تسحروا، ولو بلقمة” وجاء عند أبي داود من حديث أبي هريرة : ” نعم سحور المؤمن التمر ” وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
4) حكم الأكل والشرب أثناء الأذان .
عند أبي داود عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” إذا سمع أحدكم النداء ، والإناء على يده ، فلا يدعه ” . وفي رواية : ” فلا يضعه حتى يقضي حاجته” وإسناده صحيح ، وهي رواية أحمد في المسند ، والطبري في التفسير ، والحاكم وصححه ، وصححه الألباني ، ويقول ابن باز : أما إذا كان الأذان بالظن والتحري حسب التقاويم فإنه لا حرج في الشرب أو الأكل وقت الأذان ، وقال والأحوط للمؤمن والمؤمنة الحرص على إنهاء السحور قبل الفجر عملا بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم “دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ” ، ويقول ابن عثيمين : وأما إذا كان يؤذن عند طلوع الفجر ظناً لا يقيناً كما هو الواقع في هذه الأيام فإنه له أن يأكل ويشرب إلى أن ينتهي المؤذن من الأذان .
5) ما سبب الحث على تأخير السحور ؟
أ- المخالفة لأهل الكتاب فيه ، فقد جاء في مسلم عن عمرو بن العاص : ” فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر ” ورواه الترمذي وأبو داود والنسائي ، وصححه الألباني في صحيح أبي داود ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم العلة في التعجيل مخالفة أهل الكتاب في التأخير ، فأكلة السحور شرعت مفاصلة عن أفعال أهل الكتاب كما في هذا الحديث .
ب- السحور بركة ، من بركته متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فعن عبد الله بن الحارث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتسحر ، فقال : ” إنها بركة أعطاكم الله إياها فلا تدعوه ” أخرجه النسائي ، وصححه الألباني في صحيح النسائي ، وجاء أيضاً أن أكلة السحر تسمى الغداء المبارك عند أبي داود والنسائي عن العرباض بن سارية وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
هذا والله أعلم.
222- باب فَضْل تَعْجِيل الفِطْرِ وما يُفْطَرُ عَليهِ وما يَقُولُهُ بَعْدَ إْفطَاره
1241 – عَنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ رضِيَ اللَّه عَنْهُ ، أَنَّ رسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ : « لا يَزالُ النَّاسُ بخَيْرٍ مَا عَجلوا الفِطْرَ » متفقٌ عليه .
وأما لفظة ” وأخروا السحور ” فهي رواية قد انفرد بها الإمام أحمد في المسند من حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه ” لا تزال أمتي بخير ما أخروا السحور وعجلوا الفطر “، وإسناده ضعيف . قاله محقق عمدة الأحكام ( 138 ) ، حديث أبي ذر منكر بهذا التمام كما قاله الألباني – الإرواء ( 1/33 ) ح ( 917 ) .
1242 – وعن أَبي عَطِيَّةَ قَالَ : دخَلتُ أَنَا ومسْرُوقٌ على عائشَةَ رَضِيَ اللَّه عَنْهَا فقَالَ لهَا مَسْرُوقٌ : رَجُلانِ منْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم كلاَهُمَا لا يَأْلُو عَنِ الخَيْرِ : أَحَدُهُمَا يُعَجِّلُ المغْربَ والإِفْطَارَ ، والآخَرُ يُؤَخِّرُ المغْرِبَ والإِفْطَارَ ؟ فَقَالَتْ : مَنْ يُعَجِّلُ المَغْربَ وَالإِفْطَارَ ؟ قالَ : عَبْدُ اللَّه ¬ يعني ابنَ مَسْعودٍ ¬ فَقَالَتْ : هكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، يصْنَعُ . رواه مسلم ، قوله : « لا يَأْلُوا » أَيْ لا يُقَصِّرُ في الخَيْرِ .
1243 – وَعَنْ أَبي هُريرَةَ رَضِيَ اللَّه عنْهُ قالَ : قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، قال اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: ” أَحَبُّ عِبَادِي إِليَّ أَعْجَلُهُمْ فِطْراً ” رواه الترمذي وقالَ : حَديثٌ حسنٌ .
وعنه رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” قال الله عز وجل : أحبُّ عبادي إليّ أعجلُهم فطراً ” رواه الترمذي وإسناده ضعيف ولكن له شواهد بمعناه يقوى بها [ جامع الأصول مع الحاشية ( 6/374-377)]، وقال الألباني في مقدمة تحقيق الرياض : في هذا التحسين نظر ؛ لأن مدار إسناده على قرة بن عبدالرحمن وهو ضعيف لسوء حفظه ، وقد بسطت أقوال العلماء في جرحه في الحديث الثاني من الإرواء .
1244 – وَعنْ عُمر بنِ الخَطَّابِ رَضِي اللَّه عَنْهُ ، قالَ : قال رَسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « إِذا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ ههُنَا وأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ ههُنا ، وغَرَبتِ الشَّمسُ ، فَقَدْ أَفْطَرَ الصائمُ » متفقٌ عليه .
1245 – وَعَنْ أَبي إِبراهيمَ عبدِ اللَّهِ بنِ أَبي أَوْفى رَضِي اللَّه عنْهُمَا ، قالَ : سِرْنَا مَعَ رسولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، وَهُوَ صائمٌ ، فَلَمَّا غَرَبتِ الشَّمسُ ، قالَ لِبْعضِ الْقَوْمِ : « يَا فُلانُ انْزلْ فَاجْدحْ لَنا ، فَقَال : يا رَسُول اللَّهِ لَوْ أَمْسَيتَ ؟ قالَ : « انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا » قالَ : إِنَّ علَيْكَ نَهَاراً ، قال : « انْزلْ فَاجْدَحْ لَنَا » قَالَ : فَنَزَلَ فَجَدَحَ لَهُمْ فَشَرِبَ رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، ثُمَّ قالَ: « إِذا رَأَيْتُمُ اللَّيْلَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ ههُنَا ، فَقَدْ أَفْطَرَ الصَائمُ » وأَشارَ بِيَدِهِ قِبَلَ المَشْرِقِ . متفقٌ عليه ، قوله : « اجْدَحْ » بجيم ثُمَّ دال ثم حاء مهملتين ، أَي : اخْلِطِ السَّوِيقَ بالماءِ .