المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المسلم أخو المسلم


اميرة الحرف
05-20-2017, 08:29 PM
المسلم أخو المسلم

وقضية الأسرى

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

أما بعد؛ فإن أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
أعاذنا الله وإياكم وسائر المسلمين من النار، ومن كل عمل يقرب إلى النار، اللهم آمين.
الحمد لله القائل في كتابه العزيز: ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ﴾ [الإنسان: 8، 9]، وصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وبارك عَلَى نبينا محمد القائل: «فُكُّوا العَانِيَ، وَأَجِيبُوا الدَّاعِيَ، وَعُودُوا المَرِيضَ». [1].

وروى البخاري ومسلم والترمذي وأحمد، عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله تعالى عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يُسْلِمُهُ) (لَا يَخُونُهُ، وَلَا يَكْذِبُهُ) (وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا) (-وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الْقَلْبِ-) (بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْتَقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ"). [2]

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا"، وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، "بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ". [3]

وثبت عند البخاري ومسلم، عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ». [4]
هذه النصوص وغيرها كثير، تحثنا على دوام الأخوّة في الله، والأخوّة في دين الله، وقد قال إبراهيم الخليل عليه السلام عن زوجته سارة؛ أنها أخته، أي في الإسلام والدين، حتى ينجوَ من شرِّ الظالم.

بل لو أنَ أحدًا منا -من المسلمين- قد طارده ظالمٌ يريد أن يؤذيَه أو يهلكَه، ولا ينجو هذا المسلم إلا بأن تُقْسِمَ أنت بالله إنه أخوك، فاحلف أنه أخوك حتى ينجوَ، ولا إثم عليك ولا كفارة، روى أبو داود، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ حَنْظَلَةَ رضي الله عنه قَالَ: (خَرَجْنَا نُرِيدُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَمَعَنَا وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ رضي الله عنه، فَأَخَذَهُ عَدُوٌّ لَهُ، فَتَحَرَّجَ الْقَوْمُ أَنْ يَحْلِفُوا، وَحَلَفْتُ) -أنا- (أَنَّهُ أَخِي، فَخَلَّى سَبِيلَهُ)، فَأَتَيْنَا رَسُولَ صلى الله عليه وسلم (فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّ الْقَوْمَ تَحَرَّجُوا أَنْ يَحْلِفُوا وَحَلَفْتُ أَنَّهُ أَخِي)، قَالَ: "صَدَقْتَ، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ". [5]

وقَال الْبُخَارِيُّ رحمه الله [6]: (بَابُ يَمِينِ الرَّجُلِ لِصَاحِبِهِ إِنَّهُ أَخُوهُ إِذَا خَافَ عَلَيْهِ القَتْلَ أَوْ نَحْوَهُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مُكْرَهٍ يَخَافُ، فَإِنَّهُ يَذُبُّ عَنْهُ الـمَظَالِمَ، وَيُقَاتِلُ دُونَهُ، وَلاَ يَخْذُلُهُ، فَإِنْ قَاتَلَ دُونَ الـمَظْلُومِ) -فقتل غيره من الظالمين- (فَلاَ قَوَدَ عَلَيْهِ وَلاَ قِصَاصَ.
وَإِنْ قِيلَ لَهُ: لَتَشْرَبَنَّ الخَمْرَ، أَوْ لَتَأْكُلَنَّ المَيْتَةَ، أَوْ لَتَبِيعَنَّ عَبْدَكَ، أَوْ تُقِرُّ بِدَيْنٍ، أَوْ تَهَبُ هِبَةً، وَتَحُلُّ عُقْدَةً، أَوْ لَنَقْتُلَنَّ أَبَاكَ أَوْ أَخَاكَ فِي الإِسْلاَمِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَسِعَهُ ذَلِكَ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الـمُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ».

وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِامْرَأَتِهِ: هَذِهِ أُخْتِي، وَذَلِكَ فِي اللَّهِ"، وَقَالَ النَّخَعِيُّ: (إِذَا كَانَ الـمُسْتَحْلِفُ ظَالِمًا، فَنِيَّةُ الحَالِفِ، وَإِنْ كَانَ مَظْلُومًا، فَنِيَّةُ المُسْتَحْلِفِ).
(الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ، ولا يُسلمه...).

فما هو؛ - بعد سرد تلك النصوص وهذه الأقوال - فما هو موقفنا من أسرانا القابعين في سجون الظالمين المجرمين، طوال هذه السنين؟!
عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قُلْتُ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ: (هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ مِنَ الوَحْيِ إِلَّا مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ؟) قَالَ: (لاَ وَالَّذِي فَلَقَ الحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا فَهْمًا يُعْطِيهِ اللَّهُ رَجُلًا فِي القُرْآنِ، وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ)، قُلْتُ: (وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ؟) قَالَ: (العَقْلُ، وَفَكَاكُ الأَسِيرِ، وَأَنْ لاَ يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ). انتهى قول علي رضي الله تعالى عنه.

والوسائل المعينة على فكاك الأسرى كثيرة، يجب منها ما لا يتم الواجب إلا به، ومن ذلك على وجه التمثيل لا الحَصر:
[أولاً: وهذا قصَّر فيه كثيرٌ من المسلمين مع أنه باستطاعتهم فعله ألا وهو:
الإكثار من الدعاء لأسرى المسلمين في الخلوات والجماعات، وفي القنوت وعلى المنابر وفي الصلَوات، وسائر مظانِّ الإجابة من الأمكنة والأزمنة، فقد كان عليه الصلاة والسلام يخصُّ الأسرى بالدعاء، ويسمي بعضَهم بأسمائهم، ويدعوا بالهلاك على أعدائهم، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ، قَالَ: (بَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي العِشَاءَ)، إِذْ قَالَ: "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ"، ثُمَّ قَالَ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ: "اللَّهُمَّ نَجِّ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، اللَّهُمَّ نَجِّ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، اللَّهُمَّ نَجِّ الوَلِيدَ بْنَ الوَلِيدِ، اللَّهُمَّ نَجِّ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ". [7]
اللهم نجِّ أسرانا يارب العالمين، ونجِّ أسرى المسلمين في كل مكان.

ثانياً: استنقاذ أسرانا وأسرى المسلمين من الظالمين والمشركين بدفع الفدية لإطلاقهم، ولو وصل الأمر أن يدفع كل إنسان ما عنده: وذلك من فكُّ الرقاب الذي أمر الله سبحانه وتعالى به، كما في قوله: ﴿ فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ ﴾ [البلد: 11 - 13]، ﴿ فَكُّ رَقَبَةٍ ﴾ [البلد: 13] فَكُّهَا: خَلَاصُهَا مِنَ الْأَسْرِ. وَقِيلَ: مِنَ الرِّقِّ، وَفِي الْحَدِيثِ: "وَفَكُّ الرَّقَبَةِ أَنْ تُعِينَ فِي ثَمَنِهَا".

ثالثاً: مفاداة أسرى المسلمين بأسرى المعتدين الظالمين:
فإذا وقع في أيدي المسلمين أسيرٌ من أهل الحرب، وأمكن أن يفادَى به أسير مسلم أو أكثر تعيَّن العمل على ذلك، ولا مندوحة عنه.
قال الحافظ ابن حَجَر: (ولَو كانَ عِند الـمُسلِمِينَ أُسارَى وعِند المُشرِكِينَ أُسارَى واتَّفَقُوا عَلَى الـمُفاداة تَعَيَّنَت، ولَم تَجُز مُفاداة أَسارَى المُشرِكِينَ بِالمالِ). [8]

عندنا أسير مشرك، وعندهم أسير مسلم لا يجوز شرعا أن نقدم على فداء الأسير المشرك بالمال، هنا لا يجوز، لابد أن نأخذ ما عندهم من الأسرى مقابل ما عندنا من الأسرى، علمتم ذلك؛ أما المفاداة بالمال هذا إذا لم يكن عندهم لنا أسرى عندهم، يجوز أن نأخذ منهم الأموال.

رابعاً: النفير لفكاك الأسرى واستخلاص المعتقلين بالشوكة، وإعداد القوة لذلك، باعتباره من أفضَل الجهاد في سبيل الله تعالى.
قَالَ مَالِكٌ رحمه الله وَجَمِيعُ الْعُلَمَاءِ: فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ عَلَى مَا حَلَّ بِالْخَلْقِ فِي تَرْكِهِمْ إخْوَانَهُمْ فِي أَسْرِ الْعَدُوِّ، وَبِأَيْدِيهِمْ خَزَائِنُ الْأَمْوَالِ، وَفُضُولُ الْأَحْوَالِ وَالْعُدَّةُ وَالْعَدَدُ، وَالْقُوَّةُ وَالْجَلَدُ". [9]

خامساً: ذكرُ محاسنهم والتعريفُ بقضيتهم، وإعلان أمرهم، وإشهار مظلمتهم عند من يرجى قيامه بنصرتهم، والعمل على تخليصهم، ويستفاد لتحقيق ذلك من وسائل الإعلام على تنوعها، وكلّ وسيلة يمكن من خلالها إيصال صوت المستضعفين إلى من يعنيه أمرهم، ويرجى منه نصرهم من الدول والجماعات والأفراد، وما يعرف بمنظمات وهيئات حقوق الإنسان، والمؤسسات الحقوقية، وغيرها.

(المسلم أخو المسلم لا يسلمه)، قال الحافظ ابن حجر قوله: (وَلَا يُسْلِمُهُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ يُقَالُ: أَسْلَمَ فُلَانٌ فُلَانًا؛ إِذَا أَلْقَاهُ إِلَى الْهَلَكَةِ، وَلَمْ يَحْمِهِ مِنْ عَدُوِّهِ، وَهُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ مَنْ أُسْلِمَ لِغَيْرِهِ، لَكِنْ غَلَبَ فِي الْإِلْقَاءِ إِلَى الْهَلَكَةِ.
(وَقَوْلُهُ: "وَلَا يُسْلِمُهُ" أَيْ لَا يَتْرُكُهُ مَعَ مَنْ يُؤْذِيهِ، وَلَا فِيمَا يُؤْذِيهِ؛ بَلْ يَنْصُرُهُ وَيَدْفَعُ عَنْهُ، وَهَذَا أَخَصُّ مِنْ تَرْكِ الظُّلْمِ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ وَاجِبًا وَقَدْ يَكُونُ مَنْدُوبًا بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ). [10]

قال النووي رحمه الله: (وَأَمَّا -قوله صلى الله عليه وسلم-: "لَا يَخْذُلُهُ"؛ فَقَالَ الْعُلَمَاءُ: الْخَذْلُ تَرْكُ الْإِعَانَةِ وَالنَّصْرِ، وَمَعْنَاهُ إِذَا اسْتَعَانَ بِهِ فِي دَفْعِ ظَالِمٍ وَنَحْوِهِ لَزِمَهُ إِعَانَتَهُ إِذَا أَمْكَنَهُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ شَرْعِيٌّ). [11]
...ومن ذلك أن يسلمه للجوع أو الخوف، أو لعدوٍّ يتربَّص به الدوائر، وهذا أمر مجمع على تحريمه...]. [12]
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الآخرة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، واهتدى بهداه إلى يوم الدين؛ أما بعد:
أمّا مسألة الإضراب عن الطعام أو الشراب، فالأصل فيه -في شرعنا- المنع والتحريم؛ وهو انتحار إن كان يؤدي إلى التهلكة والموت، فهذا الامتناع، الذي يسمونه (إضراباً عن الطعام) قد يكون لإنكار منكر.

إذا لم يؤدِّ إلى الموت، وكنت ترفع فيه المنكر فلا مانع من ذلك، كما حدث مع أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، فعَنْ سَالِمِ بن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله تعالى عنه- قَالَ: (أَعْرَسْتُ فِي عَهْدِ أَبِي) -أَيْ: تزوجت-، (فَآذَنَ أَبِي النَّاسَ)، -أعلمهم ودعاهم- (وَكَانَ أَبُو أَيُّوبَ رضي الله عنه فِيمَنْ آذَنَّا، وَقَدْ سَتَرُوا بَيْتِي بِبِجَادٍ أَخْضَرَ)، -ستروا البيت والحيطان بقطع قماش خضراء والبِجَاد: الكِسَاء- (فَأَقْبَلَ أَبُو أَيُّوبَ، فَدَخَلَ فَرَآنِي قَائِمًا، فَاطَّلَعَ فَرَأَى الْبَيْتَ مُسْتَتِرًا بِبِجَادٍ أَخْضَرَ)، فَقَالَ: (يَا عَبْدَ اللهِ! أَتَسْتُرُونَ الْجُدُرَ؟!) -وهذا أمر منكر- فَقَالَ أَبِي واسْتَحْيَى: (غَلَبْنَنَا النِّسَاءُ يَا أَبَا أَيُّوبَ)، قَالَ: (مَنْ خُشِيَ أَنْ يَغْلِبْنَهُ النِّسَاءُ، فَلَمْ أَخْشَ أَنْ يَغْلِبْنَكَ)، ثُمَّ قَالَ: (لَا أَطْعَمُ لَكُمْ طَعَامًا، وَلَا أَدْخَلُ لَكُمْ بَيْتًا)، -فأضرب عن طعامهم وأضرب عن دخول بيتهم- (ثُمَّ خَرَجَ رحمه الله). [13]

والإضراب عن الطعام والشراب يتخذها بعض الناس وسيلةَ ضغطٍ لتحقيق هدفٍ مَّا، وهذا ما حصل من أمِّ سعد ابن أبي وقاص رضي الله عنه كما ثبت عند (م ت)، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه قَالَ: (حَلَفَتْ أُمِّي أَنْ لَا تُكَلِّمَنِي أَبَدًا)، فَقَالَتْ: (وَاللهِ لَا أَطْعَمُ طَعَامًا، وَلَا أَشْرَبُ شَرَابًا حَتَّى أَمُوتَ، أَوْ تَكْفُرَ، زَعَمْتَ أَنَّ اللهَ وَصَّاكَ بِوَالِدَيْكَ، وَأَنَا أُمُّكَ وَأَنَا آمُرُكَ بِهَذَا)، قَالَ: (فَمَكَثَتْ ثَلَاثًا، حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهَا مِنْ الْجَهْدِ) -أَيْ: من الجوع والعطش- (فَقَامَ ابْنٌ لَهَا يُقَالُ لَهُ: عُمَارَةُ فَسَقَاهَا، وَكَانُوا إِذَا أَرَادُوا أَنْ يُطْعِمُوهَا؛ شَجَرُوا فَاهَا بِعَصًا) -وضعوا عصا في فمها- (ثُمَّ أَوْجَرُوهَا، فَجَعَلَتْ تَدْعُو عَلَى سَعْدٍ، فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل فِي الْقُرْآنِ هَذِهِ الْآيَة: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ﴾ [العنكبوت: 8]، ﴿ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [لقمان: 15]. [14]

وثبت عن بعض الصحابة رضي الله عنهم أنهم امتنعوا عن الطعام والشراب حتى تُقضَى حاجتهم، دون أن يسبِّب لهم ذاك الامتناع هلاك أو موت، فقد قَالَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ رضي الله عنها -في حديث طويل- حين أغضبها عُمَرُ رضي الله عنه: (وَايْمُ اللَّهِ! لاَ أَطْعَمُ طَعَامًا، وَلاَ أَشْرَبُ شَرَابًا، حَتَّى أَذْكُرَ مَا قُلْتَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَحْنُ كُنَّا نُؤْذَى وَنُخَافُ، وَسَأَذْكُرُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَسْأَلُهُ، وَاللَّهِ لاَ أَكْذِبُ وَلاَ أَزِيغُ، وَلاَ أَزِيدُ عَلَيْهِ). (خ) (4230).
فإن كانت نتيجةُ ما يسمى (بالإضرابِ) نيلَ حقوقٍ مهضومة، أو أمور مشروعة، فلا مانع إنْ غلبَ على الظنِّ تحقيقُها، دونَ أن يحصلَ للمضرب هلاكٌ أو موت.

ففي (فتاوى نور على الدرب) للشيخ ابن عثيمين رحمه الله [15] سؤال نحو هذا وُجِّهَ إليه فأجاب رحمه الله تعالى -ومن ضمن ما أجاب-: [... أما إذا أضرب عن ذلك لمدَّةٍ لا يموتُ فيها، وكانَ هذا السببُ الوحيد ُلخلاص نفسه من الظلم، أو لاسترداد حقِّه، فإنه لا بأس به، إذا كان في بلد يكون فيه هذا العمل للتخلُّص من الظلم، أو لحصولِ حقِّه، فإنه لا بأس به، أما أنْ يصلَ إلى حدِّ الموت؛ فهذا لا يجوز بكل ِّحال]. انتهى قول الشيخ رحمه الله تعالى.

وأنا أقول: أيها الظالم! لا تغترَّ بإمهال الله لك، واطمئن أيها المظلوم لقول ربك سبحانه: ﴿ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا ﴾ [الطارق: 15 - 17].
وأنت أيها الأسير المظلوم: ﴿ لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾ [آل عمران: 196، 197].

أيها المسلمون ألم تعلموا ما قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟! لقد قَالَ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ، حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ"، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ [هود: 102]. [16]
"إِنَّ اللهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ"،-أَيْ: يُمْهِلُهُ، فقد أمهَلَ الظالمين المغتصبين من بني صهيون عندنا في فلسطين، كم أمهلهم؟ عشرات السنين لكن لن يتركهم- "حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ"، أَيْ: إِذَا أَهْلَكَهُ لَمْ يَرْفَع عَنْهُ الْهَلَاك.

ألا وصلوا وسلموا على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، محمدِ بن عبد الله، رسولِ الله كما أمر الله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، فـ(اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ). [17]
وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، وارض عنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

اللهم الحمد لك يارب، "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَ وَلَا يُطْعَمُ، مَنَّ عَلَيْنَا فَهَدَانَا، وَأَطْعَمَنَا وَسَقَانَا، وَكُلُّ بَلَاءٍ حَسَنٍ أَبْلَانَا، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَ مِنَ الطَّعَامِ، وَسَقَى مِنَ الشَّرَابِ، وَكَسَا مِنَ الْعُرْيِ، وَهَدَى مِنَ الضَّلَالَةِ، وَبَصَّرَ مِنَ الْعَمَى، وَفَضَّلَ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلًا، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ". [18]

اللهم فك أسر المأسورين، وسجن المسجونين، واقض الدين عن المدينين، ونفس كرب المكروبين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا دينا إلا قضيته، ولا مريضا إلا شفيته، ولا أسيرا إلا فككته، ولا سجينا إلا أطلقته، ولا ميتا إلا رحمته، ولا فقيرا إلا أغنيته، آمين آمين يارب العالمين.
وأقم الصلاة؛ ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].

[1] (خ) (5174).

[2] (خ) (2310)، (م) 32- (2564)، (م) 58- (2580)، (ت) (1927)، (ت) (1426)، (د) (4882)، (جة) (4213)، (حم) (7713)، (حم) (16062).

[3] (م) 32- (2564).

[4] (خ) (2442)، (م) 58- (2580).

[5] (د) (3256)، (جة) (2119)، (حم) (16727)، (ك) (7821).

[6] الْبُخَارِيُّ رحمه الله (ج9/ ص21)

[7] (خ) (4598) (م) 295- (675).

[8] (فتح الباري) (6/ 167).

[9] (أحكام القرآن) لابن العربي ط العلمية (2/ 440).

[10] (فتح الباري) (5/ 97).

[11] (شرح النووي) (16/ 120).

[12] بتصرف من (الخلاصة في أحكام الأسرى) لنايف الشحود (ص: 127- 135).

[13] (طب) (4/ 118) ح( 3853)، آداب الزفاف (ص 129).

[14] (م) 43- (1748)، (ت) (3189)، (حم) (1567)، انظر صحيح الأدب المفرد (18).

[15] (فتاوى نور على الدرب) (25/ 365).

[16] (خ) (4409)، (م) 61- (2583)، (ت) (3110)، (جة) (4018).

[17] (خ) (3370).

[18] (حب) (5219).

ديفا
05-20-2017, 08:33 PM
يعطيك العاافيه
جزاك الله خيراً ونفع بك
على الموضوع المُحاط بنفخات إيمانيه
تحياتي لكِ

عاشق الجنان
05-21-2017, 02:18 AM
(’)
.
دَام عَطَائِكْ.. يَآطُهرْ..
وَلَا حَرَّمْنَا أَنْتَقَائِكْ الْمُمَيِّز وَالْمُخْتَلِف دَائِمَا
حَفِظَك الْلَّه مِن كُل مَكْرُوْه ..
*
تَحِيّه مُعَطَّرَه بِالْمِسْك.., ,

اميرة الحرف
05-21-2017, 08:47 PM
يعطيك العاافيه
جزاك الله خيراً ونفع بك
على الموضوع المُحاط بنفخات إيمانيه
تحياتي لكِ

لاحرمت طلتك الجميلة
انرت الموضوع باطلالتك
العبقة لك ارق التحايا

اميرة الحرف
05-21-2017, 08:49 PM
(’)
.
دَام عَطَائِكْ.. يَآطُهرْ..
وَلَا حَرَّمْنَا أَنْتَقَائِكْ الْمُمَيِّز وَالْمُخْتَلِف دَائِمَا
حَفِظَك الْلَّه مِن كُل مَكْرُوْه ..
*
تَحِيّه مُعَطَّرَه بِالْمِسْك.., ,

لاحرمت طلتك الجميلة
انرت الموضوع باطلالتك
العبقة لك ارق التحايا

إحساس الورد
05-22-2017, 06:28 PM
جزاكي الله خيرا
و لا حرمك الاجر و المثوبة

اميرة الحرف
05-23-2017, 10:55 PM
لاحرمت طلتك الجميلة
انرت الموضوع باطلالتك
العبقة لك ارق التحايا
:)

غيوم
05-24-2017, 12:27 AM
جزاك الله خير
ويعطيك العافيه
طرح رائع

اميرة الحرف
05-24-2017, 12:28 AM
لاحرمت طلتك الجميلة
انرت الموضوع باطلالتك
العبقة لك ارق التحايا
:)

اميرة خواطر
05-25-2017, 03:30 AM
.
http://up.arabseyes.com/uploads2013/17_09_13137944515883486.gif
ألــــف شــــكـــــر
http://sl.glitter-graphics.net/pub/600/600423a90gwy5jg6.gif
.

سلمُ لنا هذُا الذوُوُق الذُي يقطفُ لنا
وسلم لنا هذا القلم المميز
اجمًل العبارات وٌاروعهـــا
ماننحرُم منُ ذائقتُك الجميلهُ والمميزهُ
تحية عطرة ل روحك الجميلة
شكراً لك من القلب على هذا العطاء
ل روحك الجووري

اميرة خواطر
http://ka3a.com/vb/image.php?u=4&dateline=1492215950&type=profile
http://www.tratel3asheq.com/vb/images/1.gif

http://up.arabseyes.com/uploads2013/17_09_13137944515883486.gif
http://up.arabseyes.com/uploads2013/17_09_13137944515883486.gif

اميرة الحرف
05-25-2017, 11:50 PM
لاحرمت طلتك الجميلة
انرت الموضوع باطلالتك
العبقة لك ارق التحايا

بلسم القلوب
05-28-2017, 10:20 AM
جزاك الله خير الجزاء .. ونفع بك ,, على الطرح القيم
وجعله في ميزان حسناتك
وألبسك لباس التقوى والغفران
وجعلك ممن يظلهم الله في يوم لا ظل الا ظله
وعمر الله قلبك بالأيمان
على طرحك المحمل بنفحات ايمانيه
سررت لتواجدي هنا في موضوعك
لا عدمناك

ضامية الشوق
05-29-2017, 03:35 PM
سلمت يمنــآك
طرح جميل جدا

غيوم
05-29-2017, 08:39 PM
يعطيك العافيه
طرح جميل
منتظرين جديدك

عنيده
05-30-2017, 12:38 AM
طرح جميــــــــــــل..

ومجهود رآئع ومفعم بآلجمال وآلرقي..


يعطيك آلعافيه على هذآ آلتميز ..


وسلمت آناملك آلمتألقه لروعة طرحهآ..
ودي لك ولروحك ,,~


كنت هنا
خواطر عاشق

اميرة الحرف
05-30-2017, 10:05 PM
لاحرمت طلتك الجميلة
انرت الموضوع باطلالتك العبقة
لك ارق التحايا

أمير المحبه
06-08-2017, 08:44 AM
جزاك الله خيرا
يعطيك العافيه يارب
اناار الله قلبكك بالايمــــــــان
وجعل ماقدمت في ميزان حسناتكـ
لكـ شكري وتقديري

اميرة الحرف
06-08-2017, 11:14 PM
لاحرمت طلتكم الجميلة
انرتم الموضوع باطلالتكم
العبقة لكم ارق التحايا